أبلغت وزيرة الخارجية الأميركية، على ما أوردت معلومات صحافية، نظيرها السوري السيد وليد المعلم بأن الولايات المتحدة الأميركية ستمنع سوريا من تهديد استقرار لبنان، فرد الوزير المعلم في وول ستريت جورنال بأن سوريا لن تعترف أو تتعامل مع المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. على الأثر، خرج في لبنان من يدعو إلى رحيل حكومة سعد الدين الحريري، لأنها حكومة عاجزة. وليس ضرورياً لأي قارئ ان يستعاد أمام ناظريه ما قاله القائل في حق الحكومة اللبنانية. فبعض السباب والشتائم لا يغير في جوهر الدعوة ولا يجعلهاأقل أو أكثر إلحاحاً.
لكن مراقبة المستجدات الدولية والعربية والإقليمية، تفيد ان السباب والشتائم قد يكونان أهون الشرور بالنسبة للبنانيين. أهون الشرور لأن ليس ثمة في مواجهة الشرور خيراً ولو في نهاية المطاف. مرة أخرى جرى وضع البلد على تقاطع حروب لن يستطيع اي كان ان يرد غائلتها. ومرة أخرى على اللبنانيين ان يتعلموا السبل الأفضل للبقاء على قيد التنفس، لا الحياة. من ذا الذي يستطيع ان يقول ان ما يحياه اللبنانيون اليوم، بل ومنذ عقود، يشبه الحياة على اي وجه من الوجوه؟
هذا الفخ نصب مرات ومرات للبنان. المسرحية مستعادة، ولو بألفاظ مختلفة هذه المرة. ثمة مفاوضات تتعثر، وكل مفاوضات تتعثر وتقلع من جديد. وبصرف النظر عن الطرف الذي يقف عثرة في وجه تقدم المفاوضات الفلسطينية ndash; الإسرائيلية، والسورية ndash; الإسرائيلية استتباعاً واستلحاقاً، وهو معروف للقاصي والداني، فإن التعبير عن تعثر المفاوضات وجدية المفاوضين سيجد له متنفساً ساخناً في لبنان.
السوريون تعلموا دروساً لا تقدر بثمن في المدرسة التي جلسوا على مقاعدها في مؤتمر مدريد مع غيرهم ممن جلس. يومها كانت لهم اليد الطولى في تقرير السياسة الخارجية اللبنانية، والداخلية أيضاً، ويومها اغرقوا في التفاؤل لبعض الوقت، فكان عنوان تفاؤلهم في لبنان تضييقاً على مقاومة حزب الله، والمقاومة الوطنية التي كانت لا تزال يومذاك على قيد التنفس. صمدت مقاومة حزب الله أمام الضغوط، وكانت رسمية وشعبية وميليشياوية وإقليمية ودولية، إلى ان استدرك المفاوض السوري ان حبل المفاوضات طويل جداً، ويجدر به في الاثناء ان يستغل إنجازات المقاومة ليحسن شروطه في التفاوض، وليبقى مفاوضاً على الأرض وفي الميدان إلى ان تحين لحظة دفع الفواتير. النتيجة، سنوات من الحروب في لبنان، لم يعرف فيها البلد غير لحظات عابرة من الاستقرار الهش والمخاتل. اليوم، لن يخطئ السوريون في توجيه البوصلة: ليس ثمة رفع يد عن المقاومة، وليس ثمة رغبة في دفع فواتير قبل استحقاقها. هذا يعني ان لبنان سيدفع الفواتير كلها، أقله في هذه المرحلة التي قد تقصر وقد تطول. لكنها من دون شك ستكون في لبنان ساخنة ومشتعلة.
ما الذي ننتظره من احتمالات في هذا البلد المصاب عميقاً بلعنة الجغرافيا والتاريخ على حد سواء؟ الذين ينتظرون دوراً أميركياً رادعاً او مهدئاً يجدر بهم التخلي عن الأمل. والذين يعتقدون انه ما زال في وسع العرب الراشدين ان يخففوا من حدة الجنون اللبناني، يجدر بهم ان ينزلوا عن ناصية الأمل التي تسلقوها بالدم والخوف والترقب والقلق. العرب الراشدون ايضاً ليسوا بمنجاة من حفلات الجنون. لكن أهم ما يمكن رصده في كواليس مسرح حفلات الجنون الصاخبة هذه، ان اللاعبين جميعاً باتوا يلعبون أمام جمهور محدد هو طاولة المفاوضات. والمعنى، قد تنشأ حروب وترتفع أعلام المواجهات، ويكثر القتل والتهديد، لكن الثابت أن كل اللاعبين يريدون إبقاء رمق من حياة في جسم الضحية. ذلك أنهم في النهاية يرمقون المفاوضات بعين حانية. لقد انشئ السوق الذي يجدر بهم ان يعرضوا فيه بضاعتهم. وعليهم اللعب بحرفة كي لا تموت الدجاجات التي يطعمونها حصى وتبيض لهم ذهباً.