سألني أحد الأصدقاء قبل أيام من 25 يناير، ماذا أتوقع لهذا اليوم.. قلت أعتقد أن الدعوة لن تتجاوز تكدير جهاز الأمن بمصر في يوم عيدهم في نظر المعدين للتظاهرة، وكانت نظرات الدهشة والرضا من غالبية المشاركين أنفسهم مساء الثلاثاء 25 يناير في ميدان التحرير تؤكد هذا حتى لو لم تقله ألسنتهم، كان الغضب في صدور المصريين من الفساد الذي ساد بالإضافة إلى بطش وقمع الأجهزة الأمنية الشديد والذي عانى منه المصريين في العقود الماضية تعد أسبابا كافية ليخرج عشرات الآلاف من الشباب ليعبر عن غضبه وعن إرداته في التغيير بعبارة تلخص كل مطالبه quot;الشعب يريد تغيير النظامquot;، عبارة رددها مئات الآلاف في الأيام التالية في محتلف محافظات مصر، في أيام الغضب المصرية.

ثورة غزلت خيوطها من حماسة الشباب وبراءة قلبه والذي لم يعرف لعبة المصالح وصفقات السياسة، بالإضافة إلى وعيه وإحساسه بالمسئولية، والذي جعل الجميع يشهد بشرف هذه الثورة ونبل أهدافها، وفي نفس الوقت لم تفلح أجهزة الحكومة في إلصاق تهم التخريب بها، وكيف يكون ذلك وهم الشباب الذين شكلوا درعا بشريا لحماية المتحف المصري من السلب عندما انسحبت قوات الأمن من الشارع المصري في محاولة لتعم الفوضى ويتهم بها الشباب الذي ثار، لم يرفع الشباب فيها أي شعارات سياسية أو أيديولوجية تحمل دعاية لفصيل سياسي، كانت ثورة من أجل الشعب ومن أجل الحياة الكريمة، ولكنها كانت ثورة بدون قيادة، أو توجيه وهنا كان يكمن الخطر، ففي الوقت الذي كان الصراع فيه بين إرادة المعتصمين حول شعار إسقاط النظام ومحاكمة الرئيس وإرادة العسكر فى المحافظة على النظام وسياساته ورئيسه الذي ينتمي في الأساس للمؤسسة العسكرية، كانت هناك تحركات أخرى في الشارع السياسي المصري من الكيانات السياسية الهزلية الموجودة والتي فقدت ثقة الشارع في تحقيق مكاسب سياسية بركوب موجة، بالإضافة إلى ضغوط خارجية أمريكية لتحقيق مكاسب لها هي الأخرى.

وبينما يزداد عدد شهداء الثورة يوما بعد يوم ليتخطى الـ300 شهيد كانت كل الجهات تفكر كيف تستفيد مما يحدث في مصر لتحقيق مصالحها، بما في ذلك القوى الخارجية والممثلة في أمريكا التي تغيرت لهجة خطابها بشكل ملحوظ خاصة بعد اختيار عمر سليمان نائب للرئيس وترك الشخص الذي كانت تدعمه أمريكا سامي عنان رئيس اركان الجيش المصري والذي كان في امريكا في ذلك الوقت، أما القوى الداخلية ممثلة في الأحزاب والإخوان، في البداية أعلنوا أنهم لم يشاركوا في يوم 25 يناير ولكنهم في نفس الوقت تركوا الباب مفتوحا لتمييع الأمور - كالعادة- أنهم لن يجبرو أحدا على عدم النزول وأن من أراد النزول منهم كأفراد فلهم الحرية، وهكذا راقبوا وضع الجماهير الثائرة بالشارع في الأيام الثلاثة الأولى والتزموا فيها الهدوء والصمت والمراقبة، وعندما تبين لهم أن الشعب المصري قد هز أركان النظام وسيطر على الشارع قرروا الهجوم على المكاسب المتوقعة، بعضهم قرر زيادة تمثيله في الشارع ليكون في الصورة بشكل فعلي والآخر ممن لا يملك تحريك الجموع قرر أن يتواجد من خلال أجهزة الإعلام كحل بديل والتحدث باسم المتظاهرين ونتيجة لهذا كله كانت كل هذه القوى مدعوة للتفاوض مع ممثلي السلطة في مصر حتى الذي أعلن بشكل صريح رفضه لهذه التظاهرة قبل بدايتها، أيضا البرادعي رئيس وكالة الطاقة الذرية السابق والذي راهن عليه كثير من المصريين وخاصة الشباب أن يكون فرس الرهان نحو التغيير يبدو أنه لم يكن على قدر حلم هؤلاء الشباب وموقفه لم يختلف كثيرا عن موقف باقي القوى السياسية، حيث كان خارج مصر في الأيام الأولى للتظاهر وأعلن أنه لن يحضر مبررا ذلك quot;بأنه لا يريد خطف الأضواء من الشبابquot;، وكأنه كان يرى أن الشباب مقبل على بطولة فيلم سينمائي وليس معركة حياة من أجل الكرامة، ومثل باقي القوى السياسية قرر الرجوع إلى مصر، وراح يملي شروطا على النظام، وكأنه قائد لهذه الانتفاضة الشبابية الثائرة.. وهذا ما دعا الكثير من الشباب لمهاجمته عندما ذهب إلى ميدان التحرير والذي لم يمكث فيه سوي ربع الساعة!

وهكذا وجدت الثورة لها الف أب بعد أن كان يتنصل منها الجميع في البداية، ووجد شبابها من لايمثلهم يجلس ليتحدث نيابة عنهم على طاولة المفاوضات، و لهذا اصبحت هذه الثورة مهددة بالوأد وتفريغها من أهدافها، خاصة في ظل حالة انقسام شديدة اصبحت سائدة في الشارع المصري ساهم في صنعها الاعلام الموجه بشكل كبير، واصبحت هناك اتهامات جاهزة بالخيانة يطلقها بعض افراد المعسكرين في اتجاه الطرف الاخر،والخوف كلها الان ان يكون الانتهازيون فقط هم من يستفيد من الثورة التي صنعها الشباب ودفع ثمنها من دمه.