quot;أنا أتمنى لو كنت حاضراً معكم يا شباب مصر في الساحات، وأنا مستعد لأن أقدم دمي وروحي في سبيل قضيتكم.quot; هذه فقرة مقتبسة من كلمة حسن نصرالله الأمين العام لحزب الله التي ألقاها خلال المهرجان الذي تم تنظيمه دعماً ونصرة لثورة الشعب المصري وتعزيزاً لنهج المقاومة في المنطقة كما قال الموقع الإلكتروني لقناة المنار التابعة لحزب الله. كنت أتمنى أن أصدق نصرالله، ولكن من المستحيل أن يصدِّق عاقل كلام رجل لم ير الشمس منذ سنوات طويلة بسبب اختبائه خوفاً من أن يصطاده الإسرائيليون. لست أدري كيف يريد نصرالله من العقلاء أن يصدقوا أنه يتمنى أن يقدم دمه وروحه في تظاهرات المصريين في الوقت الذي يخشى فيه من المشاركة في تظاهرات وحروبات حزبه. هل مصر أغلى لدى نصرالله من لبنان؟ أم أن الرجل الذي أجهز على لبنان ووضعه في ثلاجات الماضي أدار بصره نحو مصر لتخريبها وتدميرها هي الأخرى؟
دافع نصرالله عن التظاهرات الحالية في مصر وأطلق عليها لقب quot;ثورةquot; ووصفها بأنها quot;نتاج إرادة الشعب المصري ومن تصميمه وتنفيذه.quot; لم يتوقف نصرالله عند ذلك بل نفى أن تكون التظاهرات تدار من الخارج أيا كان هذا الخارج. لست أدري من أين يعرف نصرالله بخبايا أمور التظاهرات المصرية. من الممكن أن ينكر نصرالله أي دور له في تظاهرات المصريين، ولكن أن ينفي نفياً قاطعاً وجود أي يد خارجية، فهذا يعني أن الرجل على دراية كاملة بغرفة العمليات التي تدار منها التظاهرات. ألا يقول المنطق أن من يؤكد على شيء فهو يعرفه تماماً؟ هذا ما فعله نصرالله، ولأنه يعرف تماماً أمور التظاهرات الحالية في مصر فهو يتحدث عمن يديرها ويحركها. من المؤكد أن تصريحات نصرالله تضع الكثير من علامات الاستفهام حول دور للرجل في مواقف بعض القوى الإسلامية المشاركة في المظاهرات وبخاصة الإخوان المسلمين الذين تربطه بهم علاقات صداقة قوية ومتينة.
بالطبع لم يختلف موقف نصرالله من تظاهرات الحالية في مصر عن موقف سيده وزعيمه ومرشده وملهمه علي خامنيئي الذي ألقى خطبة نادرة باللغة العربية لتأييد التظاهرات الشعبية المصرية والتأكيد على حلمه بدولة إسلامية كبرى في المنطقة. جاء موقف خامنيئي ونصرالله متطابقاً. لا عجب في ذلك، فنصرالله إيراني لا جدال فيه، وقد انتظر طويلاً مع ملهمه للإعراب عن موقفه في ما يحدث في مصر. لم ينتظر نصرالله مع ملهمه لإبعاد شبهة دعم الثائرين المصريين عن حزبه كما زعم، ولكنه انتظر مع سيده للتأكد من أن الإخوان المسلمين، حلفاء إيران الأوفياء تمكنوا تماماً من التحكم في زمام المظاهرات. انتظر نصرالله وليته خرج بشخصه لإلقاء كلمته للتأكيد على تضامنه مع المتظاهرين، ولكنه أطل عبر الشاشات كعادته لخوفه على دمه وروحه اللذين عرض كذباً تقديمهما في سبيل قضايا المصريين.
كان كل ما اهتم به نصرالله هو التأكيد على أن التظاهرات في مصر سياسية بالمقام الأول لا دخل لها بالقضايا المصرية الداخلية أو الخارجية، فهي بحسب نصرالله ليست قضية جوع وفقر، إنما quot;ثورة كاملة للأحرارquot; من رافضي المهانة والذل في بلد أريد له بفعل الأمريكيين والإسرائيليين أن يكون تابعاً لهما. القضية إذن ليست حرية أو ديمقراطية في نظر نصرالله وكل من يؤيده في مصر من جماعات إسلامية وإخوان مسلمين. القضية هي الانقلاب على العلاقة المجتمع الدولي والانضمام إلى مجتمع الرافضين الذي تتزعمه إيران. وقد ذكرتني كلمات نصرالله بمشهد رأيته قبل أسبوع على إحدى القنوات تسأل فيه مذيعة أحد المتظاهرين، الذي امتدت لحيته أمامه نحو نصف متر، عن غرض التظاهرات، وقد اجابها الرجل بالإنجليزية بأنها من أجل الذهاب إلى القدس لتحريرها من أيدي الصهاينة.
الهدف إذن واحد لدى إيران وحزب الله وبعض من المصريين المشاركين في مظاهرات ميدان التحرير وتضاف إليهم بالطبع حركة حماس. الأصابع الإيرانية في المظاهرات والاعتصامات الحالية أصبحت واضحة تماماً. تريد إيران أن تضيّق الخناق على إسرائيل بإضافة جبهة جديدة في الجنوب الغربي حيث تقع الحدود المصرية الإسرائيلية. وتريد إيران أن تحقق حلم رئيسها الدكتاتور نجاد بإزالة إسرائيل من الوجود. ولذلك لا تكف إيران عن تقديم كل أنواع الدعم للمتظاهرين القريبين منها قلباً وقالباً من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين. لست اعتقد بأن المخطط الإيراني سيتوقف عند محاولة إيجاد دولة إسلامية صديقة في مصر فحسب، وإنما سيشمل محاولات حثيثة لإيجاد نظم حكم إسلامية أيضاً في الأردن والضفة الغربية بغرض تطويق إسرائيل من جميع الجهات.
شهد خامنيئي ونصرالله على أن اتجاهات ثورة الحرية التي قام بها الشباب المصري الرائع في الخامس والعشرين من يناير تغيرت تماماً. فبدلاً من التركيز على الحرية والديمقراطية والتنمية نجد جماعة الإخوان المسلمين بمساعدة إيران وحزب الله تختطف الثورة لتحقيق أهداف إيرانية، في عمل يعكس طبيعة الفكر الإخواني الذي يتنكر للوطن لمصلحة الدولة الإسلامية الكبرى. شهد خامنيئي ونصرالله عن الأصابع الإيرانية في التظاهرات الحالية وعن الدعم الذي ربمايقدمه نظام ولاية الفقيه للإخوان المسلمين في مصر. ومن المؤكد أن قيام حزبيين مسلمين بتهريب سجناء حماس وحزب الله من السجون المصرية ومن مصر كلية جاء رداً للجميل الإيراني.
لقد انخفض التأييد الشعبي للتظاهرات الحالية التي تدور في ميدان التحرير، واقتصر التأييد على رجال الإخوان المسلمين إضافة أعداد قليلة من الشباب الذين نجح الإخوان في خداعهم. وربما كان ولع المصريين باستئناف أعمالهم وحياتهم الطبيعية وتجاهلهم لما يحدث بميدان التحرير خير دليل ضعف التأييد الشعبي للتظاهرات الحالية. ولكني متأكد أن التأييد المصري للثورة الأصلية الأصيلة للشباب المصري الساعي للحرية لم ولن يتوقف. سيستمر المصريون في المطالبة بالحرية والديمقراطية. سيرفض المصريون سطوة النظام الشمولي الحالي ولكنهم سيرفضون أيضاً الإخوان المسلمين الذين يتعاونون مع إيران وحزب الله وحركة حماس لضرب استقرار مصر وجرها إلى حروب ونزاعات إقليمية جديدة.
ليت المتظاهرين من غير المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين يعودون إلى المباديء التي قامت من أجلها ثورتهم، وليتهم يدركون أن تطلعاتهم لمصر تختلف تماماً عن تطلعات رجال إيران. لم ولن يتطلع الإخوان أبداً لوطن مستقل حر وديمقراطي. الإخوان يتطلعون لما هو مخالف تماماً لما ينادي به الشباب الوطني. الإخوان يتطلعون للوصول إلى السلطة ومن ثم التحالف مع متطرفي العالم لتحقيق أهداف ربماتضر بالمجتمع المصري وبالمصالح المصرية. فليرفض الشباب الوطني الظلم والقمع والكبت والدكتاتورية وكل ما قام به النظام الحالي من خروقات لحقوق الإنسان. ولكن من المهم والضروري أيضاً أن ينبذ الشباب الفكر الديني المتطرف المدمر.
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات