ليس صعبا التنبؤ بنتائج الثورات العربية، وإستشراف مستقبلها، فملامح مابعد الثورات تطل بوضوح امام المراقب الذي يجد نفسه في مأزق مابين تأييد تحرر الشعوب، والخوف من النتائج السلبية القادمة.
من النتائج المؤلمة والغريبة.. هي ان هذه الثورات سوف لن تحقق الحريات المنشودة من قبل الشعوب الثائرة، بل على العكس ستؤدي الى تقليص حجم مساحة الحريات في بعض البلدان، وستقضي على علمانية الدولة في البعض الآخر، وهذه المفارقة الخطيرة هي نتيجة حتمية لتاريخ دول المنطقة وبنية مجتمعاتها وماترزح تحته من تركيبة إجتماعية ونفسية وسياسية وثقافية ليست على وئام مع حلم الحرية وتحويله الى واقع ملموس!
وفي إطلالة مختصرة على النتائج المتوقعة للربيع العربي سنجد ان العواصف الرعدية قادمة كالتالي:
مصر:
قبل الثورة كانت الدولة تتمتع بنظام سياسي علماني وكان الشارع اسلاميا، بعد الثورة يبدو صعود التيار الإسلامي حتميا وتحكمه بصنع القرار السياسي في الحكومة والبرلمان.. مما يعني تقلص مساحة علمانية الدولة وسيصبح الشارع والدولة نظامهما اسلاميا، وستتقلص الحريات العامة فيما يتعلق بالحياة الإجتماعية والترفيهية والفنية وغيرها، أما الحريات السياسية فهي تبدو فاقدة لقيمتها نظرا لعدم وجود تكافؤ الفرص بين الأطراف السياسية، وإستحواذ التيار الإسلامي وأتباع النظام السابق على المشهد السياسي، وبالتالي فإن النتيجة النهائية للثورة في مصر خلال المدى القصير المنظور ستكون سلبية وستتراجع علمانية الدولة وتتقلص الحريات العامة.
تونس:
نفس الأمر سيحدث فيها، ستتقلص علمانية الدولة التي كانت في عهد النظام السابق مع مشاركة التيار الإسلامي ولو بشكل ليس طاغيا ومؤثرا مثل مصر، وكذلك سيكون التيار الإسلامي صوتا معارضا للحريات العامة - غير السياسية - التي تمتع بها الشعب التونسي في عهد النظام المنحل، وستكون نتائج الثورة الحصول على بعض المكاسب الجيدة والضرورية، وفي نفس الوقت خسارة مكاسب وطنية هامة رافقت بناء الدولة التونسية الحديثة.
ليبيا:
الصورة في ليبيا أكثر وضوحا في مسار الأحداث حيث تتجه نحو صعود التيار الديني والقبائل، وأمام وجود إغراء الثروات الضخمة سوف تشهد الساحة الليبية العديد من الصراعات الطاحنة بين القوى المحلية الطامعة بالإستحواء على السلطة والمال، وهي نتيجة لاتقل سوءا عن النظام الذي بات في حكم الزائل.
اليمن:
نتيجة الثورة ستكون كارثة حقيقية.. حيث سيشهد نمو النشاط الإرهابي للقاعدة، ونشوب الصراعات القبلية، وحدوث الإنفصال مابين الجنوب والشمال، ولعل الثورة اليمنية الوحيدة التي لايتمنى المراقب لها النجاح لإنها ستكون بؤرة مشاكل ستؤثر على دول المنطقة وعلى الأمن في العالم بسبب تحولها الى منطلق للإرهاب !
سورية:
نتائج الثورة في سورية ستشبه ملامح نتائج سقوط نظام صدام في العراق، اذ يبدو التقسيم الطائفي لامفر منه بين السنة والعلوية، ووقوع الحرب الطائفية واللجوء الى الإنتقام إحتمال أقرب الى الحقيقة الآتية، والإنفصال العملي للكورد سيكون أمرا لابد منه حتى لو بقوا ضمن سيادة الدولة السورية صوريا وشكليا كما هو حاصل لتجربة أقرانهم في العراق، وكذلك ستتقلص علمانية الدولة مع الصعود المتوقع للتيار الإسلامي، وستتأثر سلبا مساحة الحريات الإجتماعية - وليست السياسية - التي يتمتع بها الشعب السوري حاليا، سيكون الثمن باهضا ولكن للأسف لايوجد خيار امام السوريين غير القيام بهذه الثورة الباسلة التي هي بحق أروع ثورة شجاعة في تاريخ الشعوب العربية حيث يواجه الشعب القمع الوحشي للنظام.
ومهما كانت النتائج.. فإن الشعوب ليس لديها هذا البرود الذي نتمتع به حيث نجلس خلف الكومبيوتر ونحلل النتائج بدم بارد.. بينما هي تتعرض للإهانات والقمع وتبديد ثرواتها... وهذه النتائج السلبية هي نتاج تعقيد شعوب المنطقة ولاتتحمل مسؤوليتها الثورات.
التعليقات