إعداد عبد الإله مجيد: كتب المحلل الاميركي مايكل غيرسن تعليقا في صحيفة quot;واشنطن بوستquot; الصادرة اليوم الاربعاء يتناول مبدأ الرئيس الاميركي باراك اوباما في التواصل مع انظمة مثل النظام الايراني والكوري الشمالي ، والنتائج التي اسفر عنها هذا النهج حتى الآن. وجاء في التعليق:
تفتقر ادارة اوباما الى ايديولوجيا في السياسة الخارجية في موقف يعتبر ذاته مسألة ايديولوجية. واكدت وزيرة الخارجية هيلاري كلنتون في كلمة القتها مؤخرا في مجلس السياسة الخارجية quot;ان الايديولوجيات الجامدة والصيغ القديمة غير قابلة للتطبيقquot;. وان الشعلة انتقلت الى جيل جديد من الاميركيين ، جيل متمرس في البرغماتية ويعتز بتعامله الواقعي واستعداده لتدارس كل شيء على اساس ان كل حالة ولها خصوصيتها.

ولكن حتى في غياب ايديولوجيا محددة فان للادارة مبدأ تتبعه. والمبدأ الأساسي في السياسة الخارجية للرئيس اوباما هو التواصل مع خصوم اميركا. فالكثير من دبلوماسية الرئيس الشعبية موجه لفتح الطريق امام مثل هذه المحادثات ـ بالتعبير عن الاحترام لأي تظلمات مشروعة والاعتذار عن الأخطاء السابقة واقتراح الحوار بلا شروط مسبقة.
بعد ستة أشهر على هذا المنوال ما هي النتائج التي حصدها مبدأ اوباما؟ فيما يتعلق بكوريا الشمالية وايران فان المبدأ يحتضر على فراش الموت.

ردت كوريا الشمالية على تواصل الادارة معها بتجربة نووية واطلاق صواريخ باتجاه حلفاء الولايات المتحدة واستئناف انتاج البلوتونيوم وتهديد الولايات المتحدة بـquot;وابل ناري من الرد النوويquot;.
رد فعل النظام الايراني على سياسة التواصل كان قص الشريط بمناسبة افتتاح منشأة لتخصيب اليورانيوم واضافة اجهزة طردى جديدة واجراء انتخابات مزورة وقتل خصوم سياسيين من اتجاهات مختلفة واعتقالهم.

فيما يتعلق بمبادرات الادارة تجاه ايران قالت كلنتون في تصريح لهيئة الاذاعة البريطانية (بي بي سي) مؤخرا quot;اننا لم نتلق اي رد. نحن بالتأكيد تواصلنا واوضحنا اننا مستعدون للتواصل....ولكني لا اعتقد ان لديهم القدرة لاتخاذ هذا النوع من القرار في الوقت الحاضرquot;.
المشكلة ليست في التواصل ذاته ـ الذي حاولته الادارة السابقة بأشكال مختلفة بل تكمن الصعوبة في ان فريق اوباما الذي يتولى ادارة السياسة الخارجية كثيرا ما جادل بأن سبب التوتر والنزاع مع دول مثل كوريا الشمالية وايران هو غياب التواصل الاميركي بالقدر الكافي ـ وهو رأي باطل ورفع سقف التوقعات بشكل لا معقول.

خلال حملة 2008 الانتخابية مثلا جادل بي. جي. كراولي مستشار اوباما (والآن المتحدث باسم وزارة الخارجية) قائلا quot;ان المتشددين على الجانبين كانوا يتحكمون بهذه العلاقة وجعلوا من الصعوبة بمكان على الولايات المتحدة وايران ان تلتقيا وتجريا حديثا جدياquot;. ولكن هل يمكن القاء اللوم على الادارة السابقة عن غياب الحديث الجدي مع ايران ـ أو كوريا الشمالية؟ ان يد اوباما الدبلوماسية ممدودة منذ فترة وتبقى القبضات مشدودة على الجانب الآخر. والسبب ليس ان كلمات دبلوماسية سحرية لم تُلفظ حتى الآن بل هو طبيعة الانظمة القمعية نفسها.
مثل هذه الانظمة كثيرا ما تكون منشغلة داخليا. ولأنها تفتقد الى الشرعية الحقيقية على وجه التحديد فانها تصرف الكثير من الوقت والجهد في الحفاظ على سلطتها الهشة وتعزيز حكمها وادارة عمليات انتقالية لاديمقراطية. فان كوريا الشمالية تواجه ازمة خلافة وايران تتصدى لمعارضة متنامية وانقسامات متفاقمة في المؤسسة الدينية. وكل من كوريا الشمالية وايران تميل الى بناء حساباتها على صراعات داخلية من اجل السلطة وليس مراعاة عقلانية لصورتها ومصالحها الخارجية. كما ان اهتمامهما ينصب على الداخل بحيث ليس لديهما القدرة ، كما قالت كلنتون ، على التجاوب مع دعوات التواصل. ومن المشكوك به في هذه الحالات ان لدينا في الوقت الحاضر شركاء جديين للتفاوض معهم.

كما ان انعدام الاستقرار المتأصل في الانظمة القمعية يدفعها الى إحكام سيطرتها باستحضار تهديدات خارجية ، لا سيما من الولايات المتحدة. ولأن معادة اميركا ركن اساسي في ايديولوجيا كوريا الشمالية وايران فان اي تخفيف في هذا الموقف يتطلب نوعا من التغيير الطوعي في النظام. وسيتعين على بيونغيانغ وطهران ان تجدا مصدر شرعية جديدا ـ قاعدة جديدة لسلطتهما ـ غير كراهية اميركا. وليس هذا بالسهل أو المرجح.
تتجه الحملة العامة التي تقوم بها ادارة اوباما للتواصل مع الخصوم نحو نتائج غير مقصودة بالمرة. وهي في النهاية سترفع مستوى التوقعات بالتحرك. ومع توالي الضربات التي تتلقاها اليد الممدودة المرة تلو الأخرى ستتضح اهداف كوريا الشمالية وايران بالكامل ويرتفع الثمن الذي تتحمله مصداقية اميركا. وكانت الادارة امهلت ايران حتى ايلول/سبتمبر للرد على المقترح الداعي الى اجراء محادثات وهددت باتخاذ quot;اجراء قاصمquot; إذا تمكنت ايران من بناء قدرات نووية. ويعكف الكونغرس على اعداد عقوبات تستهدف نفط ايران المكرر ، الأمر الذي سيزيد حدة التوتر بدرجة كبيرة.

هذه هي المفارقة في مبدأ اوباما. فان اوباما بمحاولته التواصل مع كوريا الشمالية وايران على هذا النحو الظاهر يكشف حدود التواصل بشكل دراماتيكي ـ ويوفر مبررات المواجهة.