تأخر صوغ البيان الوزاري اللبناني لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي وضبابية البند المتعلق بالمحكمة الدولية، أتاح المجال لخروج سيناريوهات وتفسيرات في حال اظهر البيان تنصلاً من التزامات لبنان تجاه المجتمع الدولي. فمنهم من قال ان البيان سيكون quot;عملية تجميل لفظيةquot;، وآخرون اعتبروا الحكومة quot;أمام مأزق تحاول تغليفه بورق التينquot;.

أوساط رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي تؤكد إصراره على الالتزام بالقرارات الدولية وبالمحكمة الخاصة بلبنان

بيروت: يتوقع مصدر وزاري لبناني أن تنتهي لجنة صوغ البيان الوزاري لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي من إقرار مسوّدته ما قبل النهائية قبل 5 تموز (يوليو) المقبل، الموعد المرجح كحد أقصى، وفق قول المصدر، لعقد جلسة لمجلس الوزراء من أجل إقرار البيان تمهيداً لطبعه وإبلاغ المجلس النيابي به، بحيث يحدد رئيسه نبيه بري موعداً لجلسة مناقشته والتصويت على الثقة بالحكومة.

وكان عدد من الوزراء أعضاء اللجنة الوزارية لصوغ البيان، الذين صرحوا وسربوا أنها ستنتهي من صوغه قبل نهاية الأسبوع المنصرم، أعطوا انطباعاً باستعجال العملية الدستورية لنيل الحكومة الثقة، في وقت خالفت الوقائع هذه التسريبات. وشهد الاجتماعان الأخيران للجنة نقاشاً حول بنوده وسجالاً حول الخطة الاقتصادية للحكومة، فيما جرى تعليق البندين المتعلقين بموقف الحكومة من القرارات الدولية ومن المحكمة الدولية، وجرى تجاوزهما بحجة أن الرئيس ميقاتي سيقدم صيغة حولهما نتيجة المشاورات التي يجريها في شأنهما مع كل من بري وقيادة laquo;حزب اللهraquo; ورئيس laquo;جبهة النضال الوطنيraquo; النيابية وليد جنبلاط. وهو ما أجّل إنجاز مشروع البيان الى الأسبوع الطالع.

صيغة تراعي المجتمع الدولي

إلا أن تأخر صوغ البند المتعلق بالمحكمة والقرارات الدولية، أتاح المجال أيضاً لظهور تفسيرات أخرى أولها أن الحكومة ما زالت ضمن المهلة الدستورية. لكن هذا لم يمنع مصدراً وزارياً من القول إن في اللجنة توجهين في شأن موضوع المحكمة وفي قضايا أخرى. ويشير مصدر وزاري الى أن التكتم حول ما جرى تداوله الى الآن في اللجنة لا يمنع القول إن وزيري laquo;أملraquo; و laquo;حزب اللهraquo; فيها علي حسن خليل ومحمد فنيش تقدما بمسودة حول موضوع المحكمة الدولية، لم تلق موافقة من قبل ميقاتي الذي فضّل إطلاق مشاورات جانبية حول الأمر فالتقى أول من أمس رئيس الجمهورية ميشال سليمان والرئيس بري للبحث في صيغة بديلة عن تلك التي تقدم بها الوزيران، تراعي حرص رئيس الحكومة على عدم التسبب بموقف سلبي من المجتمع الدولي في حال أظهر البيان الوزاري تنصلاً ضمنياً من التزامات لبنان.

التزام أم تنصّل؟

وفي المعلومات ان المجتمع الدولي، وتحديدا اميركا، تريد من حكومة ميقاتي موقفا صريحا وواضحا من المحكمة الخاصة بلبنان لا لبس فيه، حتى اذا صدر القرار الاتهامي لا يكون لصدوره تهديد بزعزعة الامن والاستقرار، بحجة انه quot;مسيسquot;، بل ان يكون الرد على هذا القرار قانونيا وعلميا وموضوعيا وبحسب الاصول، وإلا عرّضت الحكومة لبنان لعقوبات تؤثر على اوضاعه الاقتصادية والمالية، وذلك ردا على التهديد بربط موضوع العدالة بالامن وعدم الاستقرار في لبنان. وفي كلتا الحالتين يكون لبنان هو المتضرر اذا صار التعاطي مع المحكمة بهدف الافلات من العقاب، اذ ان العقوبات الدولية قد تكون اكثر ايلاما للبنان ولحكومته.

ولا تزال أوساط رئيس الحكومة نجيب ميقاتي تؤكد إصراره على الالتزام بالقرارات الدولية وبالمحكمة الخاصة بلبنان من ضمنها، في البيان الوزاري الذي يتم إعداده للحكومة. كما أنها تشير الى أن المحكمة ستكون مذكورة والتزام لبنان بها كامل، لكن الصيغة التي سيتم الخروج بها للتعبير عن ذلك، لا تزال غير واضحة.

ووفقاً للأوساط، فلا في المنطق ولا في القانون يستطيع الرئيس ميقاتي التنصل من المحكمة وتحمّل تداعيات هذا التنصل. ففي القانون، الدول الكبرى تنتظر كلها وتراقب عن كثب كيف سيكون البيان الوزاري لجهة التزام لبنان بالمحكمة أولاً.

حتى أن الأوساط، تقول، إن أي جهة لبنانية لا يمكنها تحمّل تداعيات أي اتجاه للتنصل من المحكمة، وبالتالي لن يكون هناك بيان وزاري من دون الالتزام بالقرارات الدولية، والمحكمة جزء منها، والمهم الآن هو سبل مقاربة هذا التوجه ونيل الحكومة الثقة.

إلا أن مصادر ديبلوماسية بارزة، لا تستبعد أن يخرج البيان الوزاري بصيغة للمحكمة، ترمي مسؤولية العلاقة بها على المجلس النيابي أو مجلس الوزراء أو الحوار الوطني الداخلي. كما أنها لا تستبعد أيضاً وجود عدم إعلان موقف ضد المحكمة في البيان الوزاري أو في أي محطة أخرى للحكومة.

تمويل الحكومة للمحكمة الدولية

ويستشعرأركان الحكومة جميعهم صعوبة المرحلة لناحية موضوع المحكمة ودقة الوضع وتعقيداته. ويستبعد أن تكون هناك مواقف رافضة للمحكمة، بل سيحل محلها أسلوب جديد في التعامل مع المحكمة وطلباتها. كما لن تكون هناك مواقف علنية رافضة لتمويلها.

وهذا الأسلوب، يكمن في أن يتزامن عدم إعلان موقف سلبي منها، مع عدم الرد على طلباتها وعلى الضغوط الدولية التي سترافق هذه الطلبات، فتأتي مثلاً طلبات تمويل لبنان لحصته فيها، أو أي طلبات قضائية متصلة بمجرى التحقيق، ليتم وضعها في الجوارير. الأمر الذي يؤخر الرد عليها، ويؤدي الى كسب وقت معها ومع المجتمع الدولي في آن واحد. وهذا الأسلوب في اعتقاد من يريد اتباعه، يؤخر عمل المحكمة، كما يؤخر ردّ الفعل الدولي حيال مثل هذا السلوك. ويعني ذلك بالنسبة الى من سيتبعه، أن ليس هناك مهاجمة مباشرة للمحكمة ولا اصطدام مع المجتمع الدولي، لكي يتم تلافي عزل لبنان دولياً.

وفي رأي المصادر، أنه في النهاية يجب على لبنان أن يردّ على طلبات المحكمة وطلبات الأمم المتحدة الخاصة بها. فإذا انتظرت الدول الرد اللبناني على الطلبات ولم يتم، ولم يتعاون لبنان، فالسؤال المطروح، هل يستطيع لبنان خداع المجتمع الدولي ومجلس الأمن؟ الانتظار يكون الى حدّ زمني معيّن، لكنه لن يطول الى ما لا نهاية.

ويبدو أن المرحلة تصبح أكثر صعوبة، إذا ما صدر القرار الاتهامي مطلع تموز المقبل كما تُجمع مصادر عدة في توقعاتها. إذ عندها، ستطلب المحكمة طلبات منها أشخاص للشهادة أو للمحاكمة. الأمر الذي سيفتح موضوع مذكرة التعاون بين لبنان والمحكمة على مصراعيه، وهنا سيُظهر بالفعل مدى تعاون لبنان أو عدم تعاونه. كما أنه بعد نيل الحكومة الثقة، ستطلب الأمم المتحدة من الحكومة تسديد مساهمتها في تمويل المحكمة. وبالتالي، ستوجه رسالة ثانية الى لبنان في هذا الخصوص، والرسالة الأولى كانت وجهت بداية سنة 2011 الحالية، أيام حكومة الرئيس سعد الحريري.

وتبعاً لذلك، مهما كانت صيغة البيان الوزاري فهناك المسائل ذات الصلة بالمحكمة ويجب على لبنان اتخاذ موقف حيالها. وستكون هناك طلبات من المحكمة للوزارات اللبنانية للتعاون معها فيها. إن للأمر استحقاقات بالغة يُفترض حسم طبيعة التعامل معها، إذ إن القرار الاتهامي هو الأول وليس الأخير، وستصدر قرارات اتهامية أخرى. كما أن إعلان القرار الاتهامي، لا يعني أن التحقيق انتهى بل إنه مسار قضائي طويل، وتعاون لبنان معه مطلوب وفقاً للقرار 1757، والإشكالية تكمن في كيفية تعاطي الحكومة مع كل هذه المستجدات، ومدى أمكانية الطعن بالأدلة أم لا.

الجراح: البيان الوزاري سيكون عملية تجميل لفظية

وفي هذا السياق، توالت تصريحات النواب،فرأى عضو كتلة quot;المستقبلquot; النائب جمال الجراح ان البيان الوزاري سيكون في حده الاقصى عملية تجميل لفظية كلامية، موضحا انه في جوهر البيان ستكون هناك محاولة لإجهاض المحكمة الدولية ولتنصل لبنان من التزاماته تجاه المجتمع الدولي، ما سيضع لبنان في مواجهة مع هذا المجتمع الى جانب ربط لبنان بالأزمة السورية والتي ستنتج تداعيات سلبية على جميع اللبنانيين.

ودعا الجراح في حديث الى محطة quot;اخبار المستقبلquot;، حزب الله الى quot;ان يؤمن اولاً بمشروع الدولة اللبنانية ومؤسساتها قبل حديثه عن الاصلاح ومكافحة الفساد واعادة الاعتبار للدولة اللبنانيةquot;، معتبراً ان quot;ما شهدناه من حزب الله منذ احداث 7 ايار حتى انقلابه على الحكومة السابقة يؤكد عدم احترامه لمنطق الدولة وانه يعتبر نفسه خارجها وفوقها وان السلاح هو وسيلته الوحيدة من اجل فرض ارادته السياسية والاقتصادية على الشعب اللبنانيquot;.

وفيما استغرب قول امين عام حزب الله السيد حسن نصر الله عن ان quot;ليس لدى الحزب مؤسسات مصرفية او بنوك في لبنانquot;، أكد ان quot;الشيعة هم جزء من النسيج الوطني اللبناني وانهم سيتأثرون كما غيرهم من اي ازمة قد تواجه لبنانquot;، مشيراً الى quot;وجوج اقتصاد موازٍ للحزب عبر مساعدات ترد اليه من ايران وغيرهاquot;.

عدوان: الحكومة أمام مأزق تحاول تغليفه بورق التين

أما النائب جورج عدوان فقال إن quot;الحكومة اليوم أمام خيارين، الأول أن تكمل في مسيرة المحكمة الدولية والثاني إسقاطها وهو أمر مستحيل لأن اللبنانيين لن يتخلوا عن معرفة الحقيقةquot;، لافتا الى أن quot;الحكومة الجديدة أمام مأزق جدي وتحاول أن تغلف أزمتها هذه بورق التينquot;.

وسأل الرئيس نجيب ميقاتي في حديث خاص إلى إذاعة quot;صوت لبنانquot;: لماذا قبلت أن تنتقل الى الضفة الأخرى وتعطيها الأكثرية؟ الى أين نحن ذاهبون وكيف سيستطيعون إدارة الأزمة الحالية؟ هل التغيير بلفظ أو التفتيش عن طريقة في استعمال التعابير سيغير في واقع المحكمة الدولية؟quot;.

وشدد على أن quot;المعارضة الجديدة ستكون شرسة ومواجهتها الأساسية ستكون في مجلس النواب لوضع النقاط على الحروف، كما أنها ستكون أيضا من خلال وسائل الاعلام وإخبار الرأي العام كل الحقائق كاملة كما هيquot;.

وعن تدخل سفيرة الولايات المتحدة الأميركية مورا كونيللي في الشأن اللبناني وإطلاعها على أسماء الوزراء الجدد قبل التشكيل، أكد أنه quot;ضد كل الوصايات والتدخلات الخارجية من أي جهة أتتquot;، مبديا أسفه quot;للزيارات الأخيرة التي حصلت من مسؤولين لبنانيين الى سورياquot;، مؤكدا في السياق عينه أنه في الماضي كان quot;ضد مسعى السين - سين والتدخلات السعودية - السورية، والوقت حان ليتمكن اللبناني من اتخاذ قراره وحده من دون أي تدخل من الخارجquot;.

أما عن موضوع التهديدات الأمنية التي يتعرض لها المسؤولون الكبار، لفت الى أنها quot;مستمرة حتى تبسط الدولة اللبنانية سلطتها الفعلية على كامل التراب اللبناني بقوة وجديةquot;، مؤكدا أن quot;حزب quot;القوات اللبنانيةquot; على تواصل دائم مع تيار quot;المستقبلquot;، والاتصالات قائمة ولم تنقطع يوما لأن الرئيس الحريري وجعجع يسيران معا في قضية واضحة المعالم وهي حاليا المعارضةquot;.

زهرمان: البيان الوزاري سيتضمن فقرة رمادية عن موضوع المحكمة

ولفت النائب خالد زهرمان الى quot;ان البيان الوزاري سيتضمن على ما يبدو فقرة عن موضوع المحكمة الدولية ستكون رمادية تحفظ ماء وجه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وتحفظ خطة العودة لquot;حزب اللهquot; لمحاولة اسقاط المحكمةquot;، متمنيا quot;ان تصدر صيغة واضحة تؤكد التزام لبنان بالمحكمة من دون مراوغةquot;، معتبرا quot;ان الحكومة الحالية هي حكومة مواجهةquot;.

واعتبر quot;أن الكلام عن ترحيل بند المحكمة الى طاولة الحوار الوطني خطير، لأنه ومن خلال تجربتنا تبين لنا ان طاولة الحوار هي مقبرة الملفاتquot;.