عنصر من ثوار ليبيا يضع الذخيرة على رأسه

طرابلس: يقول المسلَّحون في المناطق الواقعة غربي ليبيا إن ذخيرتهم بدأت بالنضوب والنفاد quot;إلى حدٍّ خطيرquot;، إذ باتوا الآن يستخدمون الاحتياطي الموجود لديهم، مشيرين إلى أن هذا النقص قد يجمِّد جهودهم الرامية إلى مواجهة قوات الزعيم معمَّر القذافي، وقد يوصلهم في نهاية المطاف إلى طريق مسدود.
ففي مقابلة أجرتها معه بي بي سي، قال أحد مصادر المسلَّحين: quot;نحن لا نطلق النار ما لم يكن يتعيَّن علينا فعل ذلك، كما نتوسَّل من أجل الحصول على الذخائرquot;.

يأتي ذلك في الوقت الذي تقدَّم فيه المسلحون من ميناء مدينة مصراتة إلى بلدة زليتن الاستراتيجية الواقعة على بعد حوالي 55 ميلا باتجاه الغرب، إذ وصلت وحدات المسلَّحين إلى الأطراف والضواحي الشرقية من المدينة، وإن بعد شهرين من التقدُّم البطيء نحوها.
يقول المصدر: quot;يريد حلف شمال الأطلسي (الناتو) إنهاء هذا الأمر في أقرب وقت ممكنquot;.

ويضيف: quot;عندما يتم تجهيزنا بالسلاح نستطيع إحراز تقدُّم والزحف على طرابلس. لكن أدنى ما نحتاجه الآن فهو الإمداد المتواصل من الذخيرةquot;.
ويتحدث المصدر عن الإحباط المنتشر وسط المقاتلين بسبب الخسائر المتواصلة بينهم، إذ يقول: quot;يسقط لنا عشرة ضحايا على الأقل يوميا، وليس بوسعنا مواصلة ذلك إلى ما لا نهايةquot;.

ولا يحصل المسلَّحون على المساعدة التي يحتاجونها من عاصمة الأمر الواقع لكيانهم، أي بنغازي، حسب المصدر نفسه الذي يقول: quot;أنت لا تعرف مع من تتحدث، فهنالك ثمَّة وعود تُقطع، ومن ثمَّ لا تتبلور أي أمورquot;.
والدليل على وجود الفوضى والتشويش في عاصمة المعارضة يشكِّل عامل قلق بالنسبة لكل من المسلَّحين والناتو معا.

إلاَّ أن قادة المسلَّحين في مصراتة كشفوا أنهم يتفاوضون مع ثلاث دول لإمدادهم بالأسلحة مباشرة، وفقا للمصدر ذاته الذي يقول quot;إن ذلك مسألة سرعة وليس قضية وجود شروخ أو انقسامات مع بنغازيquot;.
يقول المصدر إن المسلَّحين حصلوا على بعض الأسلحة من قطر، لكنها مجرَّد أسلحة خفيفة يعود تاريخها إلى سبعينيات القرن المنصرم.

ويرى أنه سوف يكون من الأرخص بالنسبة للناتو أن يسلِّحوا معارضيِّ القذافي من مواصلة إلقاء القنابل الموجَّهة بالليزر من خلال الطلعات الجوية.
وقد ردَّد المسلحون المشاركون بالهجوم على منطقة الجبل الغربي الشكاوى نفسها بشأن النقص الحاد بالذخيرة. كما اشتكوا أيضا من غياب القيادة والتنظيم.

لكن النقص في طلقات الرصاص يظلُّ المصدر الرئيسي للقلق بالنسبة للمعارضة في المناطق المحيطة بزليتن.
يقول عمر الأمين، أحد قادة المسلَّحين، إنه يجد نفسه في بعض الأوقات وقد بقي لديه صندوق واحد فقط من الذخيرة.

ولدى سؤاله عن الإمدادات الحالية من الذخيرة، يردُّ الأمين بهز كتفيه وإطلاق تنهيدة عميقة، قبل أن يردف قائلا: quot;قد تنفد ذخيرتنا في أي وقت الآنquot;.
ويضيف الأمين، وهو رجل ملتحٍ كان يعمل في السابق سائق شاحنة: quot;ما بحوزتي الآن قد يكفيني لمدة يوم أو يومين، ونحن نخشى أنهم سوف يهاجموننا في أي لحظةquot;.

وبينما كان الأمين يتحدث إلينا وهو يمسك ببندقيته الهجومية إيه كي-47 (AK-47)، راح المقاتلون العاملون تحت إمرته يستلقون في الظل بالقرب منَّا، مرتدين سراويل الجينز والقمصان، حالهم كحال جيش من الهواة يعمل بلا طاقة أو حماس.
وبالإضافة إلى مقارعتهم لقوات العقيد القذَّافي، يصارع هؤلاء أيضا الجوع والإعياء. فهم يصومون شهر رمضان، وإن كان قائدهم العسكري يقول إن ذلك قد عزَّز وشدَّ من عزيمتهم.

يقول الأمين: quot;إن معنويات الرجال مرتفعة، فبقليل من الذخيرة يمكننا التقدُّم إلى الأمام، ونحن سنقاتل إلى آخر رمق في حياتناquot;.
أمَّا الآن، فعلى أولئك الرجال الثبات في مواقعهم وانتظار الشحنة التالية من قذائف الهاون والصواريخ، الأمر الذي لا يستغرق عادة وقتا طويلا.

وعن الخصوم يقول الأمين: quot;يرتاح العدو ساعة، ومن ثم يقاتل ساعة، إنهم يريدون استنذافناquot;.
ومن مرصد فوق منطقة مرتفعة نسترق نظرة إلى رجال القذافي بينما كانوا يقطعون الكثبان الرملية على بعد حوالي كيلومترين اثنين من المكان. لقد كان بالإمكان رؤيتهم عبر المناظير، وربما كانوا هم يراقبوننا أيضا.

ويحصل المسلَّحون على الكثير من المساعدة من الجو، عبر الهجمات الجوية التي ينفِّذها طيران الناتو، إذ يقولون إن إيقاع العمليات قد زاد.
وقد دكَّت مقاتلات تورنيدو التابعة لسلاح القوات الجوية الملكية البريطانية أهدافا في زليتين وفي جوارها، مدمِّرة بعض الأسلحة المخبَّأة في مواقع تابعة لقوات القذافي. ويعلم المسلَّحون أيضا أن هنالك المزيد من مثل مخابئ الأسلحة تلك.

وليس الهدف هو محاولة احتلال البلدة، كما تقول المصادر، بل قطع خطوط الإمداد عنها.
لقد فعل ذلك التكتيك فعله، حيث تمَّت محاصرة القنَّاصة التابعين للنظام، وبالتالي تم حرمانهم من الطعام ومن الذخيرة.

يقول مسؤولو المعارضة في مصراتة إن بإمكانهم التوغُّل إلى مناطق أكثر عمقا في زليتن، لكنهم يودُّون من أنصارهم في البلدة أن أن يمهِّدوا الطريق لهم.
يقول إبراهيم بيت الأمل، وهو متحدث عسكري باسم المسلَّحين: quot;نحن بانتظار أن يقوم المقاتلون في الداخل ببعض العمليات التي من شأنها أن تسهِّل لرجالنا عملية دخول زليتنquot;.

ويزعم بأن مقاتليه سيدخلون زليتن في غضون الأسبوعين المقبلين، وهو توقُّع متفائل إذا ما أخذنا بالحسبان الفترة التي استغرقتها عملية اختراقهم لضواحي البلدة.
ويحتاج المسلَّحون إلى اقتحام البلدة او الالتفاف عليها لكي يزحفوا باتجاه العاصمة طرابلس الواقعة على بعد ساعة ونصف قيادة بالسيارة إلى الغرب. لكن يبدو أن الأمر مجرَّد احتمال بعيد التحقُّق.

لقد ظنَّ المسلَّحون أن النصر سيكون حليفهم في وقت أسرع من ذلك عندما انتفضوا في وجه زعيمهم قبل أكثر من خمسة أشهر ونيِّف، وكذا اعتقد الناتو أيضا. أمَّا وزير الخارجية الفرنسي، ألان جوبيه، فقد تنبَّأ بأن الفترة التي تستغرقها حملة القصف الجوي على ليبيا quot;ستُعدُُّ بالأيام وليس بالأشهرquot;.
وهكذا فإن جرح الربيع العربي في ليبيا قد نزف خلال صيف مرهقٍ قاسٍ، وربََّما يستمر النزيف طوال خريف طويل قادم.