عناصر من الجيش السوري الحر

يزداد الانقسام الطائفي في سوريا بين النظام ذات الغالبية العلوية، والجيش السوري الحر السنِّي، بقيادة العقيد رياض الأسعد المنشق. كما تجري أحاديث بين ضباط في الجيش نفسه عن مساعدات يقدمها حزب الله اللبناني والحرس الثوري للنظام من أجل إخماد الثورة.


لندن: يلاحظ مراقبون أن خط الانقسام الطائفي في سوريا يزداد وضوحًا مع تصاعد المواجهات بين النظام، الذي غالبية أركانه وأقطابه من العلويين، والجيش السوري الحر، الذي غالبية مقاتليه من السنة.

يجد اعتماد النظام على ميليشيات الشبيحة المؤلفة من العلويين أساسًا للمساعدة في إخماد الانتفاضة المستمرة منذ أكثر من عشرة أشهر، نقيضه في التفاف عناصر من قوات المنتفضين حول هويتهم السنّية بشعارات ولغة طائفية، كما أفادت صحيفة كريستيان ساينس مونتر في تقرير من طرابلس في شمال لبنان.

وبإصرار نظام الرئيس بشار الأسد على تحدي الضغوط الداخلية والدولية، فإن المواجهة المحتدمة تنذر بالابتعاد عن كونها انتفاضة شعبية ضد حاكم مستبد، والانحدار إلى نزاع طائفي مسلَّح بين سنّة وعلويين مدعومين من حلفائهم الإيرانيين وحزب الله اللبناني.

ونقلت صحيفة كريستيان ساينس مونتر عن رامي خوري، مدير معهد عصام فارس للسياسة العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت قوله quot;إن هناك دلائل متزايدة أكثر فأكثر على ذلك، ويكاد لا يكون مفر منه إزاء المنحى الذي اتخذه تطور الأوضاع في المنطقة برمتهاquot;.

وأضاف خوري إن إيران وحزب الله والنظام السوري، أُدرِجوا كلهم في خانة واحدة بوصفهم العدو، الذي يقف في مواجهة المعارضة السورية السنية أساسًا.

ليس من الصعب تلمس رموز الهوية السنية والالتزام بشعائر الطائفة السنية في صفوف الجيش السوري الحرمن خلالأمثلة وممارسات بسيطة، من عصابات الرأس، التي نُقشت عليها آيات قرآنية، إلى الخطابية، التي تتسم بالعداء الشديد لإيران وحزب الله.

وأُطلق على بعض تشكيلات الجيش السوري الحر أسماء رموز تاريخية سنّية، بينها الصحابي حمزة الخطيب، الذي كان قائدًا عسكريًا فذًا، ومعاوية بن سفيان، مؤسس الدولة الأموية في دمشق، المذموم لدى الشيعة، بحسب صحيفة كريستيان ساينس مونتر ناقلة عن الخبير في الشؤون السورية في معهد سياسة الشرق الأدنى في واشنطن، أندرو تابلر إن الهوية الطائفية موجودة في سوريا، وإن التنظيم والتعبئة على أساس طائفي لم يحدثا على نطاق واسع حتى الآن، quot;ولكن من الطبيعي أن الانقسام الرئيس سيكون بين العلويين وغيرهم من فروع المذهب الشيعي من جهة، والسنة من الجهة الأخرىquot;.

يتألف الجيش السوري الحر من عسكريين انشقوا عن الجيش النظامي، يقودهم العقيد رياض الأسعد، الذي انشق في الصيف الماضي، ويعيش في مخيم للاجئين في تركيا.

ولا تُعرف قوة الجيش السوري الحر على وجه الدقة، لكن قادته وقياديين في المعارضة السورية قالوا إنه يضم 40 ألف مقاتل، فيما يرى آخرون أن العدد أقل بكثير.

وكان العقيد الأسعد أعلن في حديث لصحيفة ملييت التركية في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، أن الجيش السوري الحر يعمل من أجل أن تكون سوريا quot;بلدًا مسلمًا وديمقراطية علمانيةquot; على غرار تركيا. وأقرّ بأن جميع مقاتليه من السنَّة، ولكنه نفى اتهامات النظام السوري بأن الجيش السوري الحر متحالف مع جماعة الأخوان المسلمين، المحظورة في سوريا.

وتبدت قوة الهوية السنية والمعتقدات الدينية على نحو لا تخطئه العين لدى السوريين الستة، الذين آوتهم أخيرًا شقة رجل دين متطرف في عمارة سكنية متداعية في حي باب التبانة السنّي الفقير في مدينة طرابلس في شمال لبنان، بمن فيهم خمسة من ضباط وجنود الجيش السوري الحر.

وقال اثنان منهم إنهما شيخان، وكانوا كلهم، باستثناء واحد، من مدينة حمص، التي تبعد 32 كلم عن حدود لبنان الشمالية. وأكد أحمد، الذي قال إنه انشق عن وحدة تابعة للاستخبارات العسكرية في دمشق منذ ستة أشهر، إنهم انشقوا، لأن النظام كان يجبرهم على قتل المدنيين.

وأصبحت المناطق السنية في شمال لبنان ملاذًا آمنًا نسبيًا للمعارضين السوريين وأفراد الجيش السوري الحر. ويقع حي باب التبانة في طرابلس بجوار حي جبل محسن العلوي.

وأسفرت عقود من العداء والاشتباكات الدورية بين سكان الحيين عن ترسيخ المشاعر الطائفية على الجانبين. وما زالت ملصقات قديمة للرئيس العراقي صدام حسين ترصع جدران باب التبانة إلى جانب صور رجال دين راديكاليين أو quot;شهداءquot; سنة.

وقال الشيخ زهير عمرو عباسي من درعا في جنوب سوريا والمتحدث باسم المجلس الإسلامي الأعلى في سوريا، وهو منظمة خيرية سنية سورية، quot;إن المكان الوحيد الذي نشعر بالأمان فيه هو باب التبانةquot;.

ونقلت صحيفة كريستيان ساينس مونتر عن الشيخ عباسي، الذي يقول إنه يقدم دعمًا لوجستيًا للجيش السوري الحر من دون أن يقوم بدور قتالي، إن الجيش السوري الحر يضم quot;كوادر دينيةquot;.

وفي حين أن وحداته تتمتع بحرية اختيار الأهداف، التي تسنح بها الفرصة من دون تخويل مسبق، فإن الكوادر المؤمنة تطلب للهجمات المخطَّطة فتوى من رجال دين معارضين سوريين، بحسب الشيخ عباسي.

وأوضح الشيخ عباسي أن الأمر عائد إلى كل وحدة، إذا كانت تريد فتوى قبل أي عملية عسكرية، quot;ونحصل عادة على فتاوى لكل هجوم نخطط له، ولكن أولئك الذين لا يحصلون عليها، إذا قتلوا أحدًا فإن الأمر يكون بينهم وبين ربهم عندما يوافيهم الأجلquot;.

تستهدف غالبية الهجمات مراكز الاستجواب ومستودعات السلاح وشبيحة النظام، الذين نالوا صيتًا سيئًا بين المعارضة لوحشيتهم.ومال شيخ لبناني في الشقة إلى الأمام مادًا هاتفه الخلوي، ليقول quot;أنظروا، هذا ما يفعله الشبيحة بناquot;.

أظهر الفيديو على شاشة الهاتف سجينين على جانب الطريق وأيديهما مقيدتان وراء الظهر، وعرض الفيديو قطع رأسيهما، كما عرض فيديو آخر مشهدًا لا يقلّ ترويعًا.

ويتعذر تأكيد هوية القتلة والسجناء، رغم غياب هتافات التكبير، التي ترافق عادة مثل هذه الإعدامات عندما ينفذها متطرفون إسلاميون، كما تلاحظ صحيفة كريستيان ساينس مونتر.

وعندما سُئل الشيخ عباسي كيف حصل على الفيديو إذا سجله شبيحة، قال quot;إننا عندما يقع شبيحة في قبضتنا دائمًا نفحص هواتفهم الخلوية بحثًا عن معلومات، وأحيانًا نجد عليها أشرطة فيديو كهذهquot;.

كما ذهب ضباط الجيش السوري الحر إلى أن مقاتلين من حزب الله اللبناني، والحرس الثوري الإيراني ينشطون في سوريا، حيث يساعدون النظام على إخماد الانتفاضة.

وقال محمد أحد الضباط الهاربين من حمص quot;إن حزب الله وحركة أمل والحرس الثوري الإيراني وجماعة مقتدى الصدر ـ كلهم هناك في سورياquot;.

ويقول محللون إن الأصوات العلمانية ستُنحى جانبًا مع تزايد عسكرة النزاع.

ونقلت صحيفة كريستيان ساينس مونتر عن الخبير في الشؤون السورية ومدير مركز الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما الأميركية quot;إن الحاجة إلى التضحيات الجسيمة وفضح السنّة المؤيدين للنظام، تدفع المعارضةإلى منطق طائفي مماثل لما شهدناه في مناطق أخرى من المنطقةquot;.

وكانت وحدة تابعة للجيش السوري الحر أعلنت يوم الجمعة الماضي إلقاء القبض على خمسة جنود إيرانيين في منطقة حمص. وقالت وسائل إعلام معارضة في الأسبوع الماضي، إن مقاتلين من حزب الله أطلقوا صواريخ كاتيوشا من لبنان على بلدة الزبداني، التي يسيطر عليها الجيش السوري الحر، على بعد 8 كلم عن الحدود اللبنانية.

ونفى حزب الله مرارًا أن تكون لديه عناصر في سوريا، ولم تظهر أدلة يُعتد بها لإسناد اتهامات المعارضة السورية. ولكن الاتهامات تعكس مشاعر العداء بين العديد من السنّة في سوريا ولبنان تجاه إيران وحزب الله، والنظام الذي يسيطر عليه علويون في دمشق.

ونقلت صحيفة كريستيان ساينس مونيتر عن الشيخ السلفي عمر بكري في طرابلس quot;إن غالبية السنة في المنطقة ضاقوا ذرعًا بالعلويين، الذين يسيطرون على السلطة في سوريا، والشيعة، ـ حزب الله، الذين يمتلكون السلاح، ويسيطرون على كل شيء في لبنانquot;. وأضاف quot;إن السنة يشعرون بالضعف، ويخافون الشيعة والعلويين، حتى إنهم سيقبلون بقوات أميركية في سوريا إذا كان ذلك يعني التخلص منهمquot;، على حد تعبيره.