تحقق قوات المعارضة السورية تقدمًا ميدانيًا في مختلف المحاور، ويبدو الرئيس السوري بشار الأسد في مأزق الخيار بين الفرار من دمشق أو البقاء فيها ومواجهة مصيره.


مشى القناص بين الأنقاض قرب خطوط القتال في مدينة حلب باحثاً عن موقع آخر يرصد منه جندياً بناظور بندقيته. وقال بإنكليزية تشوبها لكنة فرنسية، إنه ليس سورياً بل جهاديّ جوال جاء إلى سوريا لمساعدة الانتفاضة ضد نظام الرئيس بشار الأسد، العلوي، العلماني، على حد تعبيره.

وتابع حديثه قائلاً لمراسل صحيفة نيويورك تايمز quot;أنا مسلم وحين ترى على شاشة التلفزيون العديد من إخوانك وأخواتك يُقتلون لا بد أن تذهب لمساعدتهم. إنه واجب في الاسلامquot;.

ويشير وجود هذا المقاتل الأجنبي الذي قال إنه من باريس وقدم نفسه باسم ابو عبد الله، إلى سؤال ما فتئ يطرح نفسه على المتحاربين بشأن معركة حلب، أكبر المدن السورية، وهو إلى متى يستمر القتال وماذا ستكون تداعياته؟

معركة حلب صراع على سوريا

معركة حلب التي دخلت الآن شهرها السادس أصبحت صراعاً على سوريا نفسها، في نموذج مصغر يعكس مواطن ضعف الطرفين، ويعيد في الوقت نفسه تسليط الضوء على مخاطر الحرب الأهلية في سوريا وأثمانها.

وأكدت معركة حلب المصاعب التي تواجه مقاتلي المعارضة المسلحة في تنظيم حملة متماسكة، ونقص ما لديهم من أسلحة أثقل من المدافع الرشاشة، وتورط بعض رجالهم في انتهاكات ضد حقوق الانسان نفسها، التي يدينون النظام بارتكابها، بما في ذلك قتل الأسرى في تصفيات جماعية. كما اتهم المقاتلون بالفساد، كسرقة مواد غذائية ومساعدات أخرى يحتاجها المدنيون السوريون حاجة ماسة.

وكشفت معركة حلب في الوقت نفسه أخطاء النظام القاتلة على ما يبدو في حساباته، فهو لم يكسب تأييد الشعب ولا عبّأ قواته لوقف زخم المقاتلين البطيء، وأقل من ذلك إلحاق الهزيمة بهم، رغم كل أقواله على النقيض من ذلك ومحاولاته لحشد جنود وقوة نارية على جبهة حلب.

هل يموت الأسد وراء بوابة قصره؟

وتسري هذه الأيام شائعات عن مأزق الأسد بين الفرار من دمشق أو الموت وراء بوابة قصره، في وقت تتحدث فيه فصائل المعارضة بثقة عن آفاق المعركة. إذ قال العقيد عبد الجبار العكيدي، الذي انشق عن جيش النظام، وهو الآن أحد كبار القادة الميدانيين في قوات المعارضة على جبهة حلب، quot;نحن الآن نحقق تقدماً طيباً وان قواعد الجيش وقوات النظام في حلب كلها تقريبا مطوقةquot;.

الشتاء زاد من صعوبة الحرب

وشهد اتجاه المعركة تحولاً حاسماً مع حلول موسم الشتاء وتفاقم الأزمة الإنسانية التي يعانيها المدنيون في حلب. إذ عُزلت غالبية وحدات الجيش النظامي عن العاصمة وهي تخسر مواقع منذ أسابيع تحت ضربات قوات المعارضة من كل الاتجاهات تقريباً، مع ما يقترن بذلك من صعوبات في إمداد الوحدات النظامية.

ولم يجن جيش النظام من تكتيكاته في العقاب الجماعي، كما تبدى في الغارات الجوية وعمليات القصف المدفعي العشوائي على أحياء سكنية، سوى غضب المواطنين واشمئزازهم.

النظام يقتل بسياسة مدروسة

ولاحظ ناشط في المعارضة تكتيك الجيش النظامي في إطلاق بعض القذائف والانتظار 5 أو 10 دقائق إلى أن يتجمع السكان لمساعدة الجرحى ثم يطلق قذائف أخرى، على غرار ما فعلته قوات حلف الأطلسي بغاراتها المتكررة في حملة الحلف عام 2011 لإسقاط نظام العقيد معمر القذافي في ليبيا.

وقال الناشط ممتاز محمد، لصحيفة نيويورك تايمز quot;احيانا ننتظر ولا نخرج بعد سقوط القذائف الأولى، لأننا نعرف ان قذائف أخرى قادمةquot; مؤكدا مقتل الكثير من الضحايا بسبب هذه السياسة.

وبعد أن كان جيش النظام يستطيع التجوال بحريّة في أرتال من العربات المدرعة والدبابات، فإنه بدأ شتاء هذا العام داخل قواعده في جنوب حلب وغربها من حيث الأساس. كما يحتفظ الجيش النظامي بسيطرة هشة على المطار جنوب شرق المدينة رغم اقتراب مقاتلي المعارضة من سياج المطار، حيث يقولون إنهم وضعوا العديد من المدافع المضادة للطائرات.

وانحسر الغطاء الجوي لقوات النظام الذي استمر طيلة الصيف، وأصبح من غير المعتاد أن يُسمع هدير المروحيات روسية الصنع بعدما كان متواصلاً. وكثيراً ما تطلق المقاتلات التي تحلّق عابرة في سماء المدينة مشاعل لتفادي نيران المعارضة، في مؤشر إلى خوف الطيارين من صواريخها المحمولة التي استُخدمت لإسقاط طائرة حربية على الأقل في الخريف.

نجاحات المعارضة تقابلها انتكاسات

ولكن هذه النجاحات المتلاحقة التي حققها مقاتلو المعارضة صاحبتها انتكاسات وأثمان وتساؤلات عن مستقبل سوريا. فالجيش رغم ما اعتراه من ضعف ما زال قوياً ويصعب طرده من المواقع التي حشد فيها قواته بكثافة، سواء في حلب أو غالبية المدن السورية الأخرى.

وكانت قوات المعارضة سيطرت على قاعدة هنانو ثم خسرتها بعد هجوم معاكس شنته قوات الجيش النظامي، مستغلة على ما يبدو ضعف الحراسات التي أقامها مقاتلو المعارضة، وعدم تعزيز مكاسبهم. ودفعت قوات المعارضة مؤخرا بمقاتلين على هذا المحور في محاولة لاستعادة القاعدة، حتى انهم باتوا على بعد 65 متراً فقط عن العدو، متقدمين نحو القاعدة عن طريق شبكة من الأزقة.

وفي أحد الشوارع، كانت جثة جندي سوري بين الأنقاض يراقبها الطرفان دون أن يغامر أي منهما بمحاولة انتشالها في ضوء النهار خوفاً من نيران الطرف الآخر.

من لا يؤيد النظام فهو مطلوب

وقال القائد الميداني محمد بكار (36 عاما) إنه أصبح مقاتلاً في حرب المدن رغم أنفه تقريبا. وأوضح quot;أن النظام يعتبر كل رجل لا يؤيده، رجلاً مطلوباquot;، وأضاف قائلاً quot;جلاوزة النظام بدأوا يزورون بيتي سائلين عني، وتركوا لي رسالة يبلغونني فيها بأن أراجعهم في دائرة المخابرات. ولكنني بدلاً من ذلك، انخرطتُ في صفوف الجيش السوري الحرquot;.

وتحدث بكار، كما الآخرين، عن العودة إلى حياة سلمية بعد سقوط الأسد. ولكن هؤلاء الرجال قالوا أيضا إن جنود النظام قد يشكلون خطرًا أكبر في هزيمتهم. وإن الوحدات المحاصرة، إذ تعلم أن عناصر من قوات المعارضة قتلوا أسرى، قد تستمر في القتال حتى الرمق الأخير.

مقاتلو المعارضة يحاولون إقناع الجنود بالاستسلام

وقال القائد الميداني العقيد عبد الجبار العكيدي، إن قوات المعارضة كثيراً ما تحاول السيطرة على مواقع الجيش النظامي خطوة فخطوة، آملة أن تتمكن أثناء تقدمها من إقناع جنوده بالاستسلام. وأكد مقاتلون وناشطون أن السكان أيضا تغيروا بتأثير الحرب، وهم الآن أكثر طائفية وتدينًا وتسلحًا وخيبة، وكثيراً ما يصبون جام غضبهم على الغرب، بسبب تقاعسه عن التحرك لإنهاء معاناتهم.

ولكن وجود مقاتلين أجانب، مثل ابو عبد الله، والدعوات التي تُسمع في كثير من المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة، مطالبة بتطبيق الشريعة، دفعت كثيرين إلى القول إن سقوط الأسد سيكون إيذانًا بنهاية مرحلة واحدة من الحرب، وبداية مرحلة أخرى. وتقدم حلب مثالاً على ما يمكن أن يحدث.

في هذه الأثناء كان المقاتل الأجنبي ابو عبد الله، يتجول على خطوط الجبهة بموافقة لا تخطئها العين من المقاتلين السوريين الآخرين. وكان يستطلع المباني المدمرة باحثاً عن موقع مرتفع يرصد منه مواقع الجيش النظامي قرب هنانو، بانتظار ان يشكل أحد الجنود هدفا لبندقيته.

وقال ابو عبد الله إنه قاتل في باكستان وافغانستان، وأشار إلى انه كان قناصاً في العراق أيضا. وأضاف أن الدور جاء الآن على سوريا، التي تجمع بين الانتفاضة على نظام قمعي، والنزاع القديم الأبشع بين طوائف المنطقة. واضاف أنه جاء quot;لتعليم السوريين القنصquot;. وتُنبئ مهمة ابو عبد الله الجديدة في سوريا، بأنه لن تكون هناك نهاية سريعة لأعمال العنف.