تلتقي بطفل الشوارع يبيع العلكة والمرطبات، أو تجده يمدد جسمه الصغير تحت السيارة كي يصلحها، فتتأسف على برعم يداس تحت أقدام العمل الشاق، لكنك تستمر في طريقك ويبقى هو أسير الطرق أسير الآلة العنيدة، وتبقى ظاهرة عمالة الأطفال جرحًا نازفًا في خاصرة البلد.


بيروت: الاجتماع الذي عقده وزراء الداخلية والعدل والشؤون الاجتماعية منذ يومين للإعلان عن المرحلة الثانية من خطة القضاء على ظاهرة الأطفال في الشوارع، كشف عن خلل جوهري في التعاطي الأمني والقضائي مع القضية، والاجتماعي أيضًا.

وبينت المعطيات التي أعلنها وزير الداخلية مروان شربل أنه تم توقيف 61 طفلاً متسولاً و78 راشدًا تاجرًا ممن quot;يأتون بالأطفال ويوزعونهم صباحًا ويجمعونهم مساءquot;. وقال شربل:quot;اعتبرنا أن الموقوفين تعهدوا بعدم القيام بذلك مرة ثانية، ولكن عادت الظاهرة لا كما كانت سابقاً إنما بدرجة أقل منهاquot;.

وهكذا، نحن أمام جهات أمنية وقضائية قبضت على 78 quot;تاجرًاquot; بالأطفال، وفق تعريف قانون الاتجار بالبشر، وأفرجت عنهم بعد توقيعهم تعهدًا بعدم تكرار فعلهم.

هذا الامر يعيد فتح ملف العمالة في لبنان وكيفية التعاطي معه قانونيًا وانسانيًا.

فقد باتت ظاهرة عمالة الاطفال تتفشى اكثر فأكثر في لبنان وفيما يعدّ الفقر الذي بات يتآكل العائلات اللبنانية السبب الرئيس في تفشي هذه الظاهرة، الا أن المراقبين يصفونها بظاهرة مؤسساتية حيث نجد شبكات عائلية ومؤسسات تستفيد وتستغل هؤلاء الأطفال لتحقيق مكاسب مادية كبيرة رغم القوانين والتشريعات العديدة التي أقرها القانون اللبناني بهدف حماية الطفولة.

وعندما تتجول في المدن اللبنانية تطالعك ظاهرة لم تعد مستغربة البتة، حيث تجد الأطفال يستغلون زحمة السير ويتراكضون لمسح زجاج السيارات، أو يتربصون بالمارة على النواصي ليبعوهم العلكة أو اليانصيب أو يتجولون بين السيارات لبيع عبوات المياه.
ونتيجة تدهور المستوى المعيشي عمومًا، والتفكك الأسري اضطرت بعض العائلات إلى إرغام أولادها على مزاولة أي عمل، شرط تأمين معيشتهم وإعالة أنفسهم، حتى لو كان التسول في الشوارع، أو أسوأ من ذلك.

كذلك أرغمت بعض العائلات أولادها على مساعدتها في العملية الإنتاجية لكسب العيشوإناعتبر هذا العمل مشروعًا، بالإضافة إلى وجود العديد منالمنظمات التي تستغل الأطفال وتستثمرهم.

وإذا كانت عمالة الأطفال مشكلة اجتماعية فرضتها الظروف الاقتصادية والاجتماعية على البعض في لبنان، فإن هذه المشكلة تفاقمت بعد الحرب اللبنانية، وربما أصبحتمستعصيةعلى الحل في المدى المنظور.

تقول الباحثة الاجتماعية فيوليت خوري لـquot;إيلافquot; إن ظاهرة عمالة الاطفال هي مؤسساتية، لأننا نجد شبكات عائلية ومؤسسات تستفيد وتستغل هؤلاء الأطفال لتحقيق مكاسب مادية كبيرة، لا يحصل الأطفال إلا على القليل اليسير منها .

وتضيف: quot;لكن يجب أن نستثني بعض الحالات التي يقوم الأطفال بمساعدة أهلهم بأعمال الزراعة في فترات معينة من السنة، حيث لا يمكننا أن نصنف ذلك على أنه عمالةquot;.

وتتابع:quot;علينا دائمًا أن نعود إلى اتفاقية حقوق الطفل التي وقع عليها لبنان، والتي تحمي الطفل من مخاطر العمل. فالطفل العامل يخسر حقه باللعب وبممارسة طفولته، بالإضافة إلى أن معظم ظروف العمل لا تعتبر آمنة بالنسبة للطفل بخاصة في المصانع وعلى الطرقquot;.

ولمعالجة هذه الظاهرة أجرت الدولة اللبنانية بعض التعديلات على قوانين العمل، بالإضافة إلى التوقيع على العديد من الاتفاقيات الدولية والعربية المتعلقة بعمل الأحداث أو بعمالة الأطفال .

وتضيف: quot;يجب أن تكون القوانين الخاصة بعمل الأطفال مدروسة بشكل جيد وناتجة عن تنسيق بين وزارات الشؤون الاجتماعية والتربية والصحة، من أجل تأمين الظروف الفضلى لرعاية الأطفال، لكن المشكلة لا تتعلق فقط بالقوانين وإنما بكيفية تطبيقها quot;.

أطفال في الشارع

يقول أحد الاطفال الذين يبيعون العلكة في ضواحي بيروت:quot; تركت المدرسة بعدما انهيت الصف الثامن لأنني كنت أتعرض لإهانات وسوء معاملة، وأعمل حاليًا أيضًا في تركيب زجاج السياراتquot;.

عمر، ماسح أحذية في الرابعة عشرة من عمره. تغطي الأوساخ يديه، ووجهه وملابسه، يتقوقع أحيانًا في زوايا أحد الشوارع والحزن يعلو وجهه. يجول عمر عادة في شوارع الجميزة ويصل إلى الحمرا أحيانًا. يعمل مدة 11 ساعة حاملاً عدته ويتسول الزبائن.

يقول عمر: quot;يضايقني رجال الشرطة يوميًا لأنهم يعرفون أنني معدم وفقير. تركت بلدتي لأحاول كسب لقمة العيش لعائلتيquot;.

ليس رجال الشرطة وحدهم من يضايقون عمر، بل كذلك يفعل بعض اللبنانيين الذين يكرهون أن يقاطع هذا المتسول اللجوج الذي يبدو عليه الجوع، وقت فراغهم وهم جالسون في أحد المقاهي.

يجول الأطفال أمثال عمر شوارع العاصمة بيروت طيلة اليوم. بعضهم ينتظر عند تقاطع الطرقات الكبرى ويطرقون على شبابيك السيارات باستمرار للتسول .

ومن المحتمل أن تذهب الأموال التي تعطيها للمتسول إلى جيب رب عمله، بدلاً من تغطية حاجاته، ما يعني دعم شبكة إجرام، وذلك قد يؤدي إلى المزيد من الاستغلال.