بغداد: لم تنتهِ قضية اختطاف الصبي أحمد في محافظة كربلاء (108 كم جنوب غربي بغداد) إلا بفدية قدرها نحو خمسة آلاف دولار بعدما علم الخاطفون أن هذا الصبي من عائلة فقيرة لا تستطيع توفير المبلغ المطلوب. وتؤشر هذه الحادثة على أن افراد العصابة التي قامت بعملية الاختطاف غير محترفين بل هي نزوة تحت تأثير الحاجة المادية أو المخدرات.

ويؤكد محمد حسن الضابط في الشرطة أن الكثير من عمليات الاختطاف في الوقت الحاضر تقوم بها عصابات غير منظمة، وليست لها دوافع سياسية، حيث تستسهل العصابة اختطاف الطفل من الشارع والمطالبة بفدية بدلاً عنه.

وعلى الرغم منأن بعض الأطفال مصيرهم القتل في ظروف غامضة الا أن هذه الحالات قليلة اليوم مقارنة بأحداث الخطف والقتل في السنوات الماضية لاسيما بين الاعوام 2003 الى 2009. وتشير تقارير إلى نحو 12 عصابة على الاقل تخطف الأطفال في العراق، وتبيع الطفل الواحد بأسعار تتراوح ما بين 200 الى 400 جنيه استرليني.

حوادث مستمرة

وفي الاسبوع الماضي، القي القبض في مدينة كربلاء على متهم خطف فتاة من محافظة بغداد حيث سلمت الفتاة الى ذويها، كما احيل المتهمعلى شرطة الأحداث. وفي المستشفى الجمهوري التعليمي وسط بابل (100 كم جنوب بغداد) أقدم أشخاص مجهولون على اختطاف طفل حديث الولادة يبلغ من العمر يوماً واحداً حسب ما أفادت الشرطة الاسبوع الماضي.

ويروي الفتى ساجت كامل (10 سنوات) أنه اقتيد من امام باب منزله قبل ثلاث سنوات، في وقت الصيف حيث كان الشارع خاليًا، حين اقتربت منه سيارة وأجبرته على الصعود، لكن اطلق سراحه بعد ساعات عدةلعدم قدرة افراد العصابة على تأمين اتصال مع اهله. وبحسب والد الطفل فإن افراد العصابة كانوا غرباء واختطفوا الطفل على عجل لكن يبدو أن ظروفًا منعتهم من اتمام العملية فأطلقوا سراح الطفل.

وذكر تقرير نشرته صحيفة (الغارديان) البريطانية عام 2011 بأن هناك 12 عصابة على الاقل تخطف الأطفال في العراق، حيث تبيع الطفل الواحد ما بين 200 الى 400 جنيه استرليني.

استغلال جنسي

ويؤكد التقرير تصريح ضابط في وزارة الداخلية من أن نحو 15 طفلاً عراقيًا على الاقل يختطفون كل شهر وبعضهم يذهب خارج البلد ومنهم من يباع لغرض التبني ومنهم من يستغل جنسياً. وفي حزيران (يونيو) الماضي خُطف من مستشفى ابن البلدي في بغداد طفل حديث الولادة من أحد الغرف التي كان فيها مع والدته.

البطالة والفقر

وتمثل البطالة والفقر عاملاً كبيرًا في تفشي اعمال النهب والاختطاف من قبل افراد عصابات ادمنوا المسكرات والمخدرات، بحسب الباحث الاجتماعي قاسم محمد الذي يؤكد أنه منذ العام 2003، افرزت الاوضاع الأمنية المتردية والحروب الطائفية جيلاً عاطلاً عن العمل، تورط قسم منه في المعارك المسلحة واعمال العنف، وعمليات الاختطاف.

ولم يكن عام 2007 بالنسبة للمدرس نوري ظاهر سوى كابوس، يعيشه الى الان، فقد اختطف ابنه وتم تأمين اتصال مع المختطفين وتسليمهم المال اللازم الا أنه لم يسترجع ابنه الى الآن. تجربة أخرى عاشها لطيف الساعدي في منطقة الحرية في بغداد حين ايقظته اصوات داخل بيته في منتصف الليل، ليجد ستة مسلحين بانتظاره وما ان هبط درجات السلم حتى اصطحبوه وابنه الى منطقة نائية.

وبعد نحو اسبوع من الخطف تخلله الضرب والإهانات أفرجوا عنه وابنه. ويفيد الساعدي أن هذا الموقف يؤكد أن المسلحين لا يترددون حتى في اختطاف الأطفال لتحقيق مآربهم.

الإحصائيات الرسمية

ومقارنة مع الإحصائيات الرسمية التي تشير الى تعرض قرابة 841 طفلاً، تتراوح أعمارهم ما بين 4 و 16 عامًا، للاختطاف بين العامين 2001 و 2007، فإن هذا العدد انخفض بشكل كبير في السنوات الثلاث لكن من دون توفر احصائيات دقيقة بحسب الخبير الأمني رياض بارع.

ويشير رياض، وهو ضابط شرطة متقاعد الى أن عمليات الاختطاف تحولت في العراق عن اهدافها فمن غايات الإرهاب وخلق الفوضى الأمنية الى غايات أخرى اهمها الحصول على الاموال و المتاجرة بالأعضاء البشرية.

ويعتقد راضي أن هناك ربما تكتمًا رسميًا على ذلك، أو ربما لا تتوفر لدى الجهات المعنية احصائيات بهذه الحوادث، ولهذا تنكرها بعض الجهات الأمنية لكن الواقع يشير الى وجودها وبالإمكان الالتقاء بالكثير من المواطنين الذين كانوا ضحايا هذه الحوادث بثورة مباشرة أو غير مباشرة.

الاعضاء البشرية والسحر

لكن الباحث الاجتماعي قاسم محمد يذهب الى ابعد من ذلك ويؤكد أن هناك دلائل تشير الى استخدام الاعضاء البشرية للأطفال في اعمال السحر والشعوذة ايضاً. وبحسب تقرير اصدره مركز تجارة الاعضاء البشرية في كاليفورنيا فإن العراق على رأس قائمة المتاجرة بالاعضاء البشرية في العالم.

وفي عام 2011 عُثر على الطفل مروان محمد في منطقة نائية جنوب بغداد وأثبتت التحقيقات أنه تعرض الى اغتصاب جنسي قبل قتله. وبحسب الباحث قاسم فإن هذا الحادث يؤكد ما يذهب اليه البعض من أن العصابات تختطف الأطفال لاهداف عدة، وليس الحصول على المال وحده.

وفي مدينة بابل يشير ضابط الشرطة احمد حسين الى أن نحو خمسين محاولة اختطاف للأطفال شهدتها المحافظة عام 2011، مؤكدًا أن اغلب هذه العصابات تنتقل من مدينة الى أخرى لغرض عدم كشفها. وفي محافظة ديالى تشير الحوادث الى أن بعض الجماعات الإرهابية مازالت تعتمد على الخطف كوسيلة لإدامة تمويلها.

ووثق رحيم كامل العامل في منظمات حقوق الانسان عشرات الحالات التي اختطف فيها مجهولون أطفالاً من الاحياء والشوارع، اما الهجوم على البيوت واقتياد الضحايا فهو امر لم يعد يحدث في العراق الا في حالات نادرة جدًا.

ومازال خضير عبد الزهرة يتذكر اللحظات الاليمة لخطف طفله آدم من قبل شاب يسكن قرب مسكنه، اذ عثرت شرطة بابل على جثة الصبي مدفونة في حديقة أحد المنازل الواقعة في منطقة الجمعية في قضاء المحاويل شمال بابل، ليلقى بعدها القبض على الجاني، الذي طالب بفدية قدرها مئة ألف دولار لكنه قتل الطفل طعنًا بالسكين في صدره ورأسه.