يواصل المعلق البريطاني باتريك سيل دعايته للنظام الإيراني على صفحت quot; الحياةquot;، ناصحا دول الخليج وبقية العرب بquot;ترتيب الأمورquot; مع هذا الجار الذي تحرض عليه إسرائيل وهو برئ من التهم التي تلصق به!!
كان الرجل من قبل داعية للنظام السوري، لاسيما في عهد حافظ الأسد، وحاول في بداية الانتفاضة السورية إثارة الشبهات حول الانتفاضة والتخويف من عواقبها؛ ثم راح يولي وجهه صوب طهران ليكون أحد المدافعين اللبقين عن حكامها وسياساتهم، ومحاولة إظهار إيران كجار مسالم متهم زورا بفعل النشاط الإسرائيلي. وإنصافا، فإنه ليس الوحيد الذي ينهج هذا النهج، سواء في نفس الصحيفة أو سواها.
مع نشر آخر مقال لباتريك سيل بتاريخ 17 فبراير الجاري، تحدثت الأنباء عن إرسال إيران لباخرتين تحملان السلاح للنظام السوري، الذي يواصل عنفه الدموي. كما تحمل الأنباء - في الوقت نفسه- خبر بناء مفاعل نووي إيراني جديد، وإعلانات متباهية بانتصارات نووية جديدة.
إيران- كدولة وبلد وشعب- جار مهم تربطه بالشعوب العربية روابط كثيرة، ومن مصلحة الجميع قيام علاقات ود وتعايش سلمي واحترام متبادل للسيادة بين الجميع. والشعب الإيراني شعب ذو حضارات عريقة، وهو قد برهن على تعطشه للحرية والرفاهية والانفتاح، ولاسيما بانتفاضته لعام 2009 التي قمعت بالحديد والنار. ومثل هذا الشعب العريق لا يستحق أن يحكمه متعطشون للقوة والهيمنة ومن يبذرون ثروات البلاد على مشروع صنع القنبلة وعلى نقل الطائفية والإرهاب لبلدان المنطقة من خلال فيلق القدس وأجهزة تجسس هذا الفيلق الإرهابي، الذي تبجح قائده مؤخرا بطغيان النفوذ الإيراني في العراق ولبنان.
في الوقت نفسه، فإن الدول الغربية لا تزال مبلبلة في الموقف الواجب اتخاذه لكي يكف الحكام الإيرانيون عن طموحاتهم النووية العسكرية. وزير الخارجية البريطاني يصرح بأن البرنامج النووي الإيراني quot;كارثي على العالمquot;، [ الحياة في 19 فبراير الجاري]، ولكنه -في الوقت نفسه- يحذر من quot;أخطار مهاجمة إيرانquot;. والبديل؟ الضغط والعقوبات والمفاوضات. ولكن كل هذه الأساليب استخدمها المجتمع الدولي منذ 2006 في هدر متواصل للوقت فيما راح التخصيب النووي يرتفع بوتيرة متزايدة. أما أوباما فإن كل ما يهمه حاليا هو الرئاسة الثانية، وهو ما كتبنا فيه مرارا. ولا نتحدث عن روسيا بوتين والصين فلهما مصالح كبرى مع نظام الفقيه، وإن بوتين بالذات يستخدم دعم النظامين الإيراني والسوري لمشاغلة وإرباك الغرب في سياسة تذكر بأيام الحرب الباردة.
إنها لمعضلة حقا، أي الخيار بين شرين كبيرين: ضرب المفاعلات الإيرانية وما ينجم عن ذلك من فوضى عامة في المنطقة، أو مواصلة سياسة العقوبة والتفاوض فيما يواصل حكام إيران ركضهم لإنتاج القنبلة وتهديدهم لأمن شعوبها والإصرار على دعم النظام السوري. معضلة تذكر تقريبا بالخيار الذي طرح نفسه في تعامل الغرب مع النازية قبل صفقة ميونيخ، وحيث اختار تشمبرلن تلك الصفقة باسم تجنيب بريطانيا والعالم حربا عالمية شاملة. والنتيجة؟!
ولكن، ماذا لو أن إسرائيل قررت في لحظة ما وبمفردها القيام بالمجازفة بذريعة خطر إيران على وجودها؟؟
مسألة محيرة لا نجد حلها عند مقالات باتريك سيل ولا عند دعاة quot; فلتكن لإيران قنابل ما دامت لإسرائيل مثلهاquot;!
يخطئ من يصورون الأمور وكأن إصرار نظام الفقيه على النشاط العسكري النووي ناجم عن القلق والخوف من سياسات الغرب أو لإحداث توازن قوة مع إسرائيل لصالح القضية الفلسطينية. فالدور السوري والإيراني في عرقلة مشاريع الحل السلمي للقضية الفلسطينية لا يحتاج لبراهين جديدة، وتحامل خامنئ مؤخرا على الراحل عرفات بحضور السيد هنية اللا يدل على حرص حقيقي على مصلحة الشعب الفلسطيني. وحين ردت إسرائيل بقوة على حزب الله في لبنان لم نر إيرانيا واحدا يقف مع اللبنانيين. وحين تحتضن طهران عناصر القاعدة، فهذا لا يدل على حسن النوايا وعلى الحرص على أمن المنطقة والعالم. فلينشر باتريك سيل وأمثاله ما يشاؤون من مغالطات وتزييف للوقائع، فاللواء سليماني لوحده كفيل بنقض ما يروجون!