quot;لا بد من الجلوس للتحاور مع الخصومquot;. أحد العناوين التي ركز عليها الرئيس أوباما خلال حملته الانتخابية، والتي ساهمت في وصوله إلى البيت الأبيض. فالرئيس أوباما ركز على شعار إعادة ترميم وتلميع صورة الولايات المتحدة بعد التشوه الذي طاولها نتيجة سياسة الرئيس بوش الخارجية، والتي تميزت بالعنف والعنجهية والتفرد..وتماشيا واستكمالاً لمواقفه المعلنة خلال حملته الانتخابية، لم يتأخر الرئيس أوباما ومنذ اللحظة الأولى لتوليه مهامه في رئاسة البلاد، عن توجيه الرسائل الواضحة والصريحة لإيران، على أساس أن الإدارة الأميركية الجديدة، هي مستعدة للتعاون معها على جميع الصعد، وأنه وبعكس سلفه لا يحمل أي أجندة عدوانية ضد الجمهورية الإسلامية. والاشارة ضرورية لتسميته quot;الجمهورية الاسلاميةquot; باسمها وهو دليل على اعترافه بشرعية النظام التيوقراطي في إيران.
ولكن وبالرغم من كل ذلك نرى الآراء منقسمة حول تفسير استراتيجية الإدارة الأميركية الجديدة. وعاصفة التأويلات المتباينة التي أثارتها رسالة الرئيس أوباما إلى طهران بمناسبة عيد النيروز لم تهدأ بعد. وفي حين يرى البعض أن هذا التغيير الظاهر في نمط التعامل والتخاطب يشكل منعطفاً دراماتيكياًُ في تعاطي الإدارة الأميركية مع إيران، يرى آخرون فيها مناورة لا أكثر ولا أقل، ومجرد هدنة للالتقاط الأنفاس حتى يتثنى للإدارة الجديدة التركيز على معالجة تداعيات الأزمة المالية العاصفة بمختلف المرافق الاقتصادية في الولايات المتحدة الأميركية، قبل أن تعاود ثانية النهوض بوظائفها الكاملة بزخم أكبر في الساحة الدولية.
ويرتكز طرح الفئة التي ترى في مبادرة الرئيس أوباما لمد اليد لمصافحة الأخصام وللتقرب من أعداء البارحة، مجرد مناورة،على مراوحة وتعثر السياسة الأميركية وعلى فشل سياسة بوش المتهورة والمترددة، والتي لم تؤدي في آخر المطاف سوى لزيادة منسوب العنف والإرهاب في منطقة الشرق الأوسط. وتعتبر أنه كان لا بد للإدارة الجديدة من المضي في التجربة المعاكسة على أقله خلال السنتين القادمتين من عهد الإدارة الأميركية الجديدة. بمعنى آخر تعتبر هذه النظرية أن أسارير الرئيس أوباما المنشرحة خلال الرسالة إلى إيران إنما تظهر عكس ما تضمر و تذكر ببيت شعر المتنبي القائل quot;إذ رأيت أنياب الليث ظاهرة فلا تظنن أن الليث يبتسمquot;. وهو طرح لا يستثني في آخر المطاف لجوء الإدارة الأميركية للحلول العسكرية ومنها الضربة الجراحية على المفاعلات النووية الإيرانية مثلما كان مطروحا طوال عهد بوش ولم ينفذ. والفارق حسب رأيهم هو أن القرارات التي من الممكن أن تؤخذ خلال حكم أوباما قد تكون أكثر شدة من ناحية قربها اكثر من مرحلة التنفيذ. وتعتبر هذه النظرية أن سياسة المهادنة تأتي في سياق غسل اليدين ومن باب رفع المسؤولية في حال تنفيذ هذه الضربة. وهو أمر قد يكون استشرفه المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي من خلال كلام الرئيس أوباما،وأثار حفيظته، إذ تساءل حول ما يمكن أن يخفيه أوباما تحت قفازه المخملي.
وعلى عكس هذا الطرح ترى أوساط أخرى إن إدارة أوباما الجديدة هي فعلاً في مرحلة التقاط الأنفاس، ولكن من دون أن تكون بوارد المناورة السياسية، وتتقصد فعلا مد اليد والتعاون مع الأطراف الممانعة التقليدية، وعلى رأسها إيران! وتؤكد هذه النظرية على إعلان أوباما الصريح عن نيته في رفع الحظر على التعامل الدبلوماسي مع إيران، وصولاً إلى دعوتها للمشاركة في مؤتمر دولي بشأن أفغانستان الذي عقد يوم 31 من مارس (أذآر) في لاهاي، وتحت رعاية الأمم المتحدة. وتعتبر هذه الأوساط أن المنحى الجديد للإدارة الأميركية في مغازلة حركة طالبان هو جدي، ويعتمد حالياً على سياسة تقديم الجزرة لبعض قادتها بهدف استمالتهم لإبعادهم عن القاعدة، وصولاً إلى عزل هذه الاخيرة في آخر المطاف وحرمانها من ملاذها الآمن، ومنطلق عملياتها وتحركاتها، عبر مختلف ساحات استهدافها. وترى هذه النظرية أيضاً أن تقرير بايكر هاملتون والذي صدر في 18 ديسنمبر/كانون الاول 2006، والذي أوصى باشراك سوريا وإيران (محوري الشر سابقاً)،في أي عملية سلام شرق أوسطية، هو في طريقه للتنفيذ. وفي حال صحت هذه النظرية الثانية، يبقى سؤال من طبيعة مغايرة وهو حول خطورة أن يشكل الغزل الأميركي باتجاه هذا المحور، محفزاً ومشجعاً لدول هذا المحور، وغطاءً لها للتمادي في تجاوزاتها وعنترياتها على البلدان المجاورة، والمسماة quot;معتدلةquot; والتي ذاقت الأمرين من تعديات محور quot;الممانعةquot; هذا المحاور في السنوات الماضية.
وإذا كانت مساعي الرئيس الأميركي في الانفتاح وquot;الحوار مع الخصومquot; تبدو وكأنها تخدم هدفاً أوليا وهو تحسين صورة الولايات المتحدة، إلا أن هذا المسعى ليس جديداً في العمق ويندرج ضمن السياسة الخارجية الأميركية quot;القديمة والمتجددةquot; والهادفة لتحصين المصالح الحيوية والتي لا يمكن التنازل عنها في الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا. ولكن هل تدرك الإدارة الأميركية أن أهمية المصداقية قد توازي أهمية الصورة في مجال خدمة هذه المصالح وربما تتعداها؟ ومصداقية الولايات المتحدة هي اليوم على المحك، في التغاضي وإهمال مصالح الحلفاء والأصدقاء. والخطورة كل الخطورة في أن نعود إلى الحلقة المفرغة، وإلى ازدواجية المعايير، التي أهلكت سياسة بوش الشرق أوسطية وساقتها إلى الحائط المسدود.
مهى عون
التعليقات