إيلاف من لندن: تحتفي "إيلاف" بعشرينيتها اليوم، فتؤكد أنها باقية على عهدها في انتهاج الصدقية والموضوعية والدقة... وتتمدد. فانتظروا مشروعاتها المستقبلية التي تؤكد الرؤية التي قامت عليها قبل عقدين من الزمان.
ولـ "إيلاف" ناس ارتضوا السير على خطى ناشرها الذي أرسى بها ومن خلالها دعائم جيل رؤيوي من الصحافيين المؤمنين بالصدقية والموضوعية والليبرالية والدقة، وجيل من القراء لا يقبلون بأقل من هذه الصفات في كل كلمة تبثّ فيها روح الإخبار الدقيق قبل نص الخبر الوثيق. وهؤلاء، على الضفتين، مستمرين في الكتابة والقراءة، مهما تكاثرت المواقع الإلكترونية من حولهم، ومهما اشتد ساعد "المواطن-الصحافي" على منصات التواصل الاجتماعي.
في عشرينيتها، تؤكد "إيلاف" أنها ما كانت يومًا، ولن تكون، صندوق بريد، تضع فيها الوكالات أخبارها، فتنشرها على الملأ. إن فيها عينًا ملاحظة تعرف بلمح البصر كيف تميّز غث الأنباء من سمينها؛ وفيها عينًا مراقبة تعرف أي حدث هو حديث الساعة، أو سيكون، ولو أهملته وسائل الإعلام الأخرى، انطلاقًا من رسالة أراد منها ناشرها ورئيس تحريرها عثمان العمير أن ترسخ في ذهن كل قارئ، ما أن يرى كلمة "إيلاف" بأزرقها حتى يعرف أن في الأمر ما هو جدير بالقراءة.
في عشرينيتها، تسترجع "إيلاف" ما أسرّه العمير بنفسه يومًا: إن أجمل ما في تجربة "إيلاف" هو العري الكثير. قال: "لا أتكلم عن العري الجسدي، لكن العري في الخبر، حيث نكشف الحقائق كما هي دون تزييف". وفي هذا احترام للآخر، مهمن كان هذا الآخر. فمن حق كل قارئ، أيًا تكن ميوله، أن يصل إلى المعلومة الحقيقية، من دون مواربة، وأن يقرأ النبأ عاريًا من أي إضافات. فبالنسبة "إيلاف"، لا آخر عدو، إنما آخر يتمتع بكامل الحقوق الإنسانية والواجبات البشرية، نسمعه ويسمعنا، فإن أردنا أن يسمعنا، علينا أن نسمعه. ولهذا وصفت قبل أعوام بأنها صاحبة مشروع تنموي مراده تجسير العلاقة بين الصحافة والتدوين الإلكتروني وإثراء مواقع التواصل الاجتماعي بمواد تساهم في تطوير مهارات الشباب العربي التدوينية وتكفل حمايتهم من الفكر العنصري والتطرف والإرهاب والكراهية من جهة، والتحلل والإحباط من جهة أخرى.
في عشرينيتها، الوعد الثابت: سنبقى سجاليين ما دام السجال يُثري العقل العربي... هذا العقل الذي يتسرب إليه الصدأ رويدًا رويدًا، بسبب جوقات الشتامين على منصات التواصل الاجتماعي الذين يمارسون ما يُحسنونه جيدًا.. مجابهة الفكرة بالشتيمة، لأنهم أعجز من مقارعة الفكرة بالفكرة، والحجة بالدليل.
في عشرينيتها، وبقاءً على خطى ناشرها، لا تنظر "إيلاف" إلى عقدين من الزمن انصرما خلفها، إنما العيون شاخصة كلها إلى "غدًا".. ذاك الذي إنه لناظره قريبٌ جدًا. إن أغلبية المواقع الإخبارية العربية تسير على مبدأ "لنعش اليوم بأخباره".. لكن هذا، في قاموس "إيلاف"، أول خطوة واثقة نحو الفشل. فمنذ بدأت "إيلاف" فكرة في خاطر رجل امتلك رؤية ما إلى مستقبل مسرع، لا تتوقف عن السير على المنوال نفسه، ناظرة إلى أبعد من خبر عربي هنا أو دولي هناك، مستلهمة روح المخاطرة نحو المجهول الآتي، وما المستقبل إلا مجهول، إذا استثنينا من كشف عنه الحجاب...
نعم.. الحجاب مكشوف عنا. نعرف ما في المستقبل. ليس في الأمر حدس كهّان، ولا قراءة فنجان.. إنما الأمر كله في نظر ثاقب، وعقل متوقد، يقرأ التسارع التقني المتحكم بالناس اليوم، ويعرف كيف يترجم هذا التسارع أفكارًا تصب في صالح "حرفة الخبر". فقبل عشرين عامًا، أدرك العمير أن الصحافة الورقية ماتت، فيما كان الجميع يهلل لها ويعدها في سنواتها الذهبية.. وصدق حدسه. وفي 2015، قال العمير إن المستقبل للصورة، وليس للكلمة، وأكد أن في منظومة الاعلام الجديد، يحتل المحتوى المرئي مكانةً عالية. وانطلاقًا من هذه الأهمية، عقد شراكةً بين "إيلاف" وهيئة الاذاعة البريطانية (بي بي سي الخدمة العالمية) لتزويد "إيلاف" بالمحتوى الذي تنتجه "بي بي سي عربي"، جامعًا بالتالي العالم العربي التائق إلى المعرفة وهيئة الإذاعة البريطانية التي تعد من أهم منتجي المحتوى المعرفي والإخباري في العالم.
في عام 2016، في جلسة عنوانها "شهود عیان في عصر الإعلام الرقمي" ضمن فعاليات الدورة الخامسة عشرة لمنتدى الإعلام العربي، أذهل العمير الجمع بإعلانه احتضار المواقع الالكترونية وبقوله إن استخدام تقانة التواصل هو مخرج الإعلام للاستمرار، متكلمًا على صعوبة تمرد إرادة التحرير الخبري على إرادة رأس المال لتكون الكلمة الفصل دائمًا لرأس المال. وها نحن نعرف اليوم أن صحافة "منصات التواصل" هي الأسرع انتشارًا على الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية التي صارت لا تفارق الإنسان، إلا إذا نام؛ وأن سوق الإعلان تراجع، فأقفلت الصحف، ورقية وغير ورقية، أبوابها وأعلنت إفلاسها.
وفي عام 2019، في الدورة الثامنة عشرة من منتدى الإعلام العربي، قال العمير إن صحافة تتمسك بالماضي وأدواته لا تتطور، فمعظم الصحف العربية تعمل بأنظمة سُنّت قبل 50 عامًا، ولم تتغيّر الأطر التي تعيد الاعتبار إلى الصحيفة الورقية. قال حينها: "لا أخجل من القول إن أي تجربة يجب أن تنتهي، لأن هذه سنة التطور الطبيعي، بينما في العالم صحف، مثل إكونوميست أو فاينانشيال تايمز ووال ستريت جورنال، تأسست قبل قرنين، لكنها تمكنت من التماهي مع العيش في العصر الحديث".
ما دام هذا الحجاب مكشوفًا... فماذا "إيلاف" فاعلة غدًا؟
الجواب عن هذا السؤال سهلٌ ممتنع، يكمن في جناس عربي.. رؤية ورؤيا. فـ "إيلاف" تجمع هذا الجناس بيسر. إنها رؤيا طرأت مرة للعمير، وما فتئت تتحقق على نحو مستدام، تتجدد على نحو مستمر، تخرق جدار الصوت بكلمة تعبّر دائمًا أكثر من ألف كلمة. وهي رؤية لآتٍ، يؤيد ما قامت عليه "إيلاف" منذ يومها الأول... التميز. فـ "إيلاف" تخطط لغد صحافي يزداد تشعبًا، وتزداد متاعبه، لكنه في الوقت نفسه يأتي بما لم يخطر في بال قارئ عربي على الإطلاق، لتكون لها الكلمة الأخيرة في رسم معالم المستقبل الإعلامي العربي الرصين. فـ "إيلاف" تؤمن حقًا بأن الغد يبدأ أمس. ومن انتظر إلى اليوم، فاته قصب السبق، وتخلف عن الركب.
التعليقات