شكل القرار الذي اتخذه القطري محمد بن همام بالإنسحاب من سباق الترشح لرئاسة الاتحاد الدولي لكرة القدمخبراً ساراً للعديد من رؤساء الإتحادات العربية الذين تنفسوا الصعداء بعدما وضعهم قرار بن همام بالترشح و منافسة السويسري جوزيف سيب بلاتر الرئيس الحالي وضعهم في موقف حرج لا يحسدون عليه.

موقف أجبرهم على الإختيار بين خيارين أحلاهما مر، فالأول تفرضه الروابط القومية فمحمد بن همام عربي و يفترض أن يحظى بدعم مطلق من قبل جميع الاتحادات العربية دون مناقشةبغض النظر عن الخلافات الشخصية بينه و بين بعض القيادات العربيةالناجمة عن رواسب انتخابات قارية ودوليةسابقة خاصة انتخاباتالمكتب التنفيذي للفيفافي مايو من العام 2009 وما خلفته من انشقاق واضح في الصف العربيالآسيوي وخاصة في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها المنطقة العربية .

أما الموقف الثاني فتمليه المصالحالشخصية منها والقومية لبعض الاتحادات العربية ورؤسائها وارتباطهم الوثيق بالمرشح السويسري بلاتر واستمرار تلك المصالح ونمائهامرهون ببقاء الأخير في سدة الحكمفي الفيفا لعهدة رابعة أما ذهابهفقد يجعلها تطير معه هباءاً منثورا بل أن بعض المصالح كان مقابلها هو صوت فيانتخابات الفاتح يونيو فدخول الأمير الأردنيعلي بن الحسين تنفيذية الفيفا كان بإيعاز ودعم من بلاتر في وقت ساند بن همام منافسه الكوري تشونغ وحتى انتخاب الجزائري محمد روراوة في تنفيذية الفيفا كان بدعم من المنافسين معا والأمثلة الأخرى كثيرة .

ومما زاد من حدة الإحراج هو الإعلان المبكر لبعض الاتحادات القارية أوالإقليمية التي تنضوي تحت لوائها الاتحادات العربيةولائها لبلاتر أو لبن همام فأعلن الاتحاد العربي الذي يرأسهالأمير نواف بن فيصل تأييده ومساندته للمرشح العربي من منطلق قومي بحت بينما أعلن الاتحاد الإفريقي الذي يضم في عضويته عدد من الاتحادات العربية دعمه للمرشح السويسري بلاتر.

ومنطقيا و في حال التزمت الاتحادات العربية بقرار الهيئات القارية التي تنضوي تحتها فهذا يعني استمرار الانقسام العربي وهو ما لا يخدم بن همام الذي ربما يكون أحد دوافع انسحابه هو شعوره بخيانة بعض الأصوات الأسيوية أوالإفريقية التي كان يراهن عليها تذهب لجيب منافسه وخصمه بلاتر.

وأمام صعوبة الاختيار وصعوبة إقناع الرأي العام بصواب القرار الأخير خاصة في حال الوقوف بجانب بلاتر ارتأت الاتحادات العربية اللجوء إلى الخيار الثالث وهو التزام الصمتوانتظار حتى اللحظة الأخيرةلإعلان الموقف النهائي منتلك الانتخابات المشؤومة خاصة أن الاقتراع في الجمع العام يكون سرياً فلا تجويع للذئبولا إزعاج للراعي.

ومما يؤكد خيار الصمت هو أنه في الوقت الذي أعلنت فيه العديد من الاتحادات الوطنية في القارات الخمسمواقفها النهائية دون حرج أو خوف بقيت الاتحادات العربية مترددة بين المرشحين فعلى سبيل المثال الاتحاد الجزائري الذي ساند بلاتر في انتخابات 1998 ضد الأوروبي السويدي لينارت جوهانسن ربح الرهان و أيدالكاميروني عيسى حياتوفي انتخابات عام 2002 لكنه خسر الرهان بكل وضوح و شفافية لم يكشف عن موقفه وانحاز إلى الحيادلأن رئيسه محمد روراوة مدين للرجلين معا ولا يمكنه أن يغضب احدهما على حساب الآخر .

أما الاتحاد الكويتي فقد سارع هو الآخرفي أعقاب زيارة ممثلة لبن همام إلى الكويت لإذابة الجليد بينه وبينالشيخ الفهد و فتح صفحة جديدة سارع إلى تكذيب الأخبار التي راجت بان الكويت منحت صوتها لبن همام وأن صفحة الماضي طويت بلا رجعة.

وحتى عندما أعلن بن همام بأن الدول العربية كلها تسانده باستثناء دولة واحدة فضل عدم الكشف عنها فان ذلك كان يشبهالقاعدة الدينية المتعلقة بالمحافظةعلى الصلاة الوسطى.

وإصطدم بن همام و بلاتر بالمنطق العربي الذي يميزه الازدواجية بين الموقف العلني الموجه للاستهلاك الإعلامي والموقف السري الحقيقي في وقت كان المرشحان يبحثان عمن يجهر بمساندتهحتى يتمكنا من قياس مدى شعبيتهما وقدرتهما على المنافسة.

الآن وقد أعلن بن همام انسحابه رسميا وفاز السويسري بلاتر بولاية رابعة كرئيس للإتحاد الدولي لكرة القدم لغاية العام 2015يكون عبئاً كبيراقد انزاحعن قلوبرؤساء الاتحادات العربية و يكون بن همام من حيث يدري أولا يدري قد حافظ على ما تبقى من وحدة الصف العربي حتى و أن كان قراره بالانسحاب قد أجل تحقيق حلم عربي يريد أن يرى عربياً على رأس اكبر هيئة رياضية في العالم.