سيُغضب الفوز المحتمل للرئيس السوداني عمر البشير الكثير من المستائين من سجله في دارفور، لكن يتعيّن على الغرب أن يجد طرقًا للتعامل معه في إطار الإستعداد لإنتخابات أكثر خطورة، خصوصًا أنه لم يتبقَّ أمام السودان سوى ثمانية أشهر لإجراء إستفتاء يمنح الناس في جنوب البلاد فرصة لخيار الإنفصال في دولة مستقلة، وهو ما يكفله إتفاق السلام الموقع في العام 2005 الذي أنهى حربًا أهليَّة بين الجنوب والشمال استمرت لعقدين من الزمن.
الخرطوم: يريد الرئيس السوداني الذي بات فوزه في الانتخابات شبه مؤكد بعد أن قاطع معظم منافسيه الاقتراع متهمينه بتزوير الانتخابات أن يبقى جنوب السودان المنتج للنفط جزءًا من السودان، في حين يجمع معظم المحللين على أن أبناء الجنوب الذين يشعرون بمرارة سيختارون الانفصال. وستحدد المحادثات المدعومة دوليًّا التي ستجرى في الاشهر القادمة ما اذا كان السودان سينتهي الى انفصال سلمي أو استفتاء أخر وصدام اخر تكون الحرب في دارفور الى جانبه عملاً تافهًا.
وقال مصدر دولي quot;هذه الانتخابات قد تكون سيئة مثل الانتخابات في أفغانستان، ولكن نظرًا لضيق الوقت قبل الاستفتاء يساورني الشك في أن يصر أحد على اعادة الانتخاباتquot;. ولا يزال هناك الكثير من الاتفاقيات التي يتعين انجازها كي يتسنى اجراء الاستفتاء التي قد يستخدم أي منها لتأجيل الاستفتاء وهي نتيجة غير مقبولة بالنسبة للجنوب. ومن بين النقاط العالقة وضع الحدود بين الجنوب والشمال وتقاسم احتياطيات النفط ومياه نهر النيل وتوزيع حصص الديون الخارجية وعضوية المفوضية التي ستجري الاستفتاء.
وسيتمسك البشير بفوزه الانتخابي لتثبيت دعائم حكمه وتوجيه اللوم للمحكمة الجنائية الدولية لاسيما اذا استطاع اظهار التأييد الذي يتمتع به في ولايات دارفور الثلاث. وسيتعين على منتقدي البشير أن يرتاحوا الى حقيقة أن فوز البشير في الانتخابات لن يعطيه في الواقع حصانة قانونية اضافية في مواجهة المحكمة الجنائية الدولية.
وفي سياق متصل، اعتبر المراقبون الدوليون السبت ان الانتخابات التعددية الاولى منذ ربع قرن التي جرت في السودان لا ترقى الى المعايير الدولية، في حين اعلن ابرز حزبين معارضين شاركا في الانتخابات رفضهما لنتائجها. وعبرت رئيسة بعثة المراقبين الاوروبيين فيرونيك دي كيسير وكذلك الرئيس الاميركي الاسبق جيمي كارتر الذي اشرفت مؤسسته على الانتخابات، عن رأي مماثل بقولهما ان الانتخابات quot;لا ترقى الى المعايير الدوليةquot;.
وقال نائب رئيس المفوضية القومية للانتخابات عبد الله احمد عبد الله ان هذه التقارير quot;لم تراع الظروف التي تجري فيها الانتخاباتquot; المعقدة التي جرت على مستوى الرئاسة والبرلمان الوطني ومجالس الولايات وحكومة الجنوب وبرلمانه. وقال في تصريح لقناة quot;السودانquot; الحكومية ان quot;المعايير الرئيسة التي كان يجب ان تتحدث عنها البعثات هي ان المقياس الحقيقي لنجاح الانتخابات هو نزاهتها ولم نقف اطلاقًا على اي من المراقبين الدوليين الذي تحدثوا عن عدم نزاهة الانتخابات. المعيار الثاني نسبة المشاركة وتشير التقارير الى ان نسبة الاقتراع كانت عالية للغايةquot;.
واضاف عبد الله ان المعيار الثالث quot;هو ان يتم في جو آمن دون عنف والانتخابات في جميع ولايات السودان تمت في جو آمن، ورابعًا مدى الحرية التي تتمتع بها القوى السياسية والناخبون في الحراك السياسي. الاحزاب السياسية تحركت تحركًا سمته الحرية حتى في وجود قوانين مقيدة للحريات، غير ان هذه القوانين لم تشكل عائقًا لحراك الاحزاب الانتخابيquot;.
وفي حين رأى كارتر ان quot;القسم الاكبرquot; من المجتمع الدولي سيعترف بنتائج الانتخابات، قال مرشح الحزب الاتحادي الديموقراطي للرئاسة حاتم السر في بيان quot;اعلن رفضي التام وعدم اعترافي بنتائج انتخابات رئاسة الجمهورية وما يترتب عليها من خطوات لاحقة. ان هذه النتيجة لم تعكس التمثيل الحقيقي لأهل السودانquot;.
بدوره، اعلن حسن الترابي زعيم حزب المؤتمر الشعبي انه لن يشارك في المؤسسات المنبثقة عن الانتخابات متهمًا حزب المؤتمر الوطني الحاكم بالتزوير. وقال الترابي خلال مؤتمر صحافي في الخرطوم quot;الاقتراع وحسابه زور، سنرفع الامر للقضاء، ولكن من العسير عليهم معالجتهquot;. واضاف quot;ولذا قررنا ان نعتزل ما سيترتب على هذه الانتخابات من نيابة ومؤسسات، وحتى لو افلت واحد منا، لن ندخل اصلاً (البرلمان او مجالس الولايات)quot;.
وقال quot;ننتظر ان تأتينا قياداتنا من الولايات، وسنتخذ موقفًا اشد من ذلك ونتشاور مع القوى السياسية، وتعرفون بدائل صناديق الاقتراعquot;. وقال الترابي الذي دعم الرئيس حسن البشير في انقلاب 1989 الذي اطاح الحكومة المنبثقة عن آخر انتخابات تعددية في 1986، quot;جاء مسؤولون كبار سياسيون وامنيون ابلغونا ان النظام اعد العدة لتزوير الانتخابات بتأجيل بعض الصناديق وانشاء مراكز غير مكتشفةquot;. وبشأن وفد حكومي زاره، قال quot;جاؤونا ليطمئنوا انه ليس هناك ردة فعل عنيفة على النتيجةquot;.
وكثف حزب المؤتمر الوطني اتصالاته بالاحزاب الاخرى ومنها احزاب المعارضة المقاطعة سعيا لتعزيز شرعية الحكم داخليا وخارجيا حيث يواجه الرئيس البشير مذكرة توقيف اصدرتها بحقه المحكمة الجنائية الدولية في 2009 بتهمة ارتكاب جرائم حرب في اقليم دارفور الذي يشهد حربا اهلية منذ 2003. وباتت نتيجة الانتخابات الرئاسية محسومة من الدورة الاولى للرئيس عمر البشير مع انسحاب ابرز مرشحي المعارضة. واتهمت المعارضة ومنها حزب الامة التاريخي بزعامة الصادق المهدي وحزب الامة-الاصلاح والتجديد الحكم بالسعي الى تزوير الانتخابات.
من جهة اخرى، إعتبرت رئيسة المراقبين الاوروبيين ان quot;الخطوة التي انجزت هي خطوة حاسمة من اجل مواصلة (تنفيذ) اتفاق السلام الشامل (..) انها خطوة كبيرة تمهد لاجواء ديمقراطية في السودانquot;، معتبرة ان وجود مراقبين محليين خلال الانتخابات دليل على الرغبة في تحقيق quot;تحول ديموقراطيquot; في السودان.
واعربت مؤسسة كارتر عن اسفها quot;لوجود قيود على العديد من الحقوق السياسية والحريات خلال القسم الاكبر من هذه الفترة، ما اشاع حالة من انعدام الثقة لدى الاحزاب السياسيةquot;. وسجلت المؤسسة quot;العديد من الاخطاء واستنتجت ان العملية لا ترقى الى مستوى التزامات السودان والمعايير الدولية ذات الصلةquot;. واعتبرت المؤسسة ان الانتخابات quot;كان ينقصها الضمانات والشفافية الضرورية للتحقق من (تنفيذ) الخطوات الرئيسية وارساء شعور بالامان والثقة في العمليةquot;.
واعتبرت دي كيسير ان نسبة المشاركة في الانتخابات التي استمرت من الاحد الى الخميس quot;كانت مرتفعة جدًا، 60%، لكن مع بعض العيوبquot;، مشيرة الى تسجيل quot;تجاوزات اكبر في الجنوب منه في الشمالquot;. وتطرقت دي كيسير الى تعرض ناخبين لضغوط والى عدم التكافؤ في الموارد المالية لدى مختلف المرشحين لخوض الحملات الانتخابية وعدم التكافوء في اتاحة وسائل الاعلام للجميع، الى جانب المشكلات اللوجستية بسبب تأخر وصول بطاقات الاقتراع والخلط بين الاوراق او اخطاء في اسماء المرشحين او صعوبات لدى الناخبين في العثور على اسمائهم.
وتحدثت رئيسة البعثة الاوروبية خصوصًا عن quot;ضعف التنظيمquot; في الجنوب، وقالت ان quot;مراقبينا سجلوا مشكلات تتعلق بالحبر وباختام صناديق الاقتراع وعملية التحقق من هويات الناخبين، وكذلك تقارير عن قيام اطفال قاصرين بالادلاء باصواتهمquot;. وقالت مؤسسة كارتر انها سجلت في الجنوب ضغوطًا على الناخبين وتهديدات باستخدام القوة. وشكلت الانتخابات محطة مهمة في اتفاق السلام الشامل، الموقع في 2005 والذي انهى الحرب الاهلية بين الشمال والجنوب، تمهد لتنظيم استفتاء تقرير المصير في الولايات الجنوبية العشر في كانون الثاني/يناير 2011.
التعليقات