ماج المشهد السياسي المصري بعدد ليس بالقليل من الحملات الدعائية، المؤيدة لترشح نجل الرئيس المصري جمال مبارك لانتخابات رئاسة الجمهورية المقررة عام 2011 المقبل، فرغم حالة الصمت التي ما برحت تخيم على موقف مبارك الأب والابن من الترشح للانتخابات المرتقبة، إلا أن صدى التلويح باسم الأخير فرض نفسه بقوة على الواقع المبكر لحلبة المنافسة، وزادت حدة المناورة عندما تزامنت هذه الحملات مع حرب التوقيعات والتوكيلات الشعبية المناصرة لأسماء، لم تعلن هي الأخرى حتى الآن اعتزامها الترشح للمنصب ذاته.

يعكس واقع الحال داخل الحزب الحاكم (الحزب الوطني الديمقراطي) صورة مغايرة لما قد تنطوي عليه وجهات نظر المراقبين السياسيين خارجه، إذ يرى أقطاب حزب الأغلبية أن الحملات الدعائية لا تعدو كونها بالونات اختبار لقياس مدى شعبية مرشح الحزب المنتظر، ولعل كافة التيارات الحزبية والسياسية في مختلف دول العالم، لا تُنكر هذه الخطوة على المرشحين لأية انتخابات، فضلاً عن أن المادة 76 من الدستور المصري لا تسمح لأي من مرشحي الانتخابات الرئاسية بتنظيم مثل هذه الحملات الدعائية قبل الموعد الرسمي المحدد للترشح، وعليه فإن الحملات الدعائية التي تجوب أحياء القاهرة، وغيرها من أحياء المحافظات المصرية، سواء لدعم جمال مبارك أو لغيره، لا تشكل سوى دعم معنوي أو رمزي، ولا تنطوي على أي ثقل محوري يخدم مرشحًا معينًا أو آخر، بحسب الدكتور طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية وعضو الحزب الوطني الديمقراطي.

تحرك القوى الوطنية

من جانبه، قال الدكتور علي الدين هلال أمين لجنة الإعلام في الحزب الوطني الديمقراطي لإيلاف ان الحملات الدعائية الهادفة إلى دعم الأمين العام المساعد، أمين السياسات في الحزب الحاكم جمال مبارك، تأتي كرد فعل طبيعي لتحرك الأحزاب الأخرى، وبعض الأسماء المطروحة للترشح للرئاسة مثل محمد البرادعي وعمرو موسى والدكتور ايمن نور وغيرهم، فمن الطبيعي تحرك القوى الوطنية، أيا كان تصنيفها، سواء لجمال مبارك أو غيره، غير ان ما ينبغي التأكيد عليه هو انعدام دعم الحزب الوطني لأي من الحركات أو التنظيمات، التي تدعو إلى دعم جمال مبارك مرشحاً لرئاسة الجمهورية، لا سيما ان الأخير لم يعلن رغبته في الإقدام على تلك الخطوة، كما ان بيان مجدي الكردي منسق ما يوصف بـ (الائتلاف الشعبي لدعم ترشح جمال مبارك لرئاسة الجمهورية)، الذي جاء فيه تلقي الائتلاف الدعم الكامل من الحزب الوطني الديمقراطي لتأييد السيد جمال كمرشح عن الحزب عار تماماً عن الصحة.

حرب تكسير العظام

وفي ما يتعلق بخيارات الحزب الحاكم في المرشحين عنه للرئاسة، يعرب جهاد عودة عضو لجنة السياسات في الحزب الوطني الديمقراطي لإيلاف عن تقديره بأن مرشح الحزب للرئاسة هو الرئيس محمد حسني مبارك، أما إذا رفض الترشح فلن يرشح الحزب سوى نجله، فالرجل تنطبق عليه شروط الترشح للرئاسة، وفقاً لما نص عليه الدستور المصري وتحديداً المادة 76، وما يتردد في الشارع السياسي المعارض حول تحريك الحملات الدعائية لتأييد مبارك الابن باعتباره المرشح القادم للحزب، ينحصر في بوتقة حراك المواطن المصري البسيط، ليؤكد بشكل غير مباشر الدخول في منافسة على أرض الواقع، وبدء حرب تكسير العظام لإثبات أن الأرضية تلعب لصالح الحزب الوطني الديمقراطي.

ونفى عودة ما يُشاع حول دعم بعض رجال الأعمال الأعضاء في الحزب الوطني الديمقراطي للحملات الدعائية المؤيدة للسيد جمال، وإنما يمكن تفسير هذه الحملات والملصقات بأنها تراخٍ امني، وموقف حزبي صامت يعطيان فرصة لنمو المناخ الديمقراطي بشكل أوسع، سواء كان لمرشح الحزب الوطني أو لغيره من مرشحي الأحزاب الأخرى.

إعلان الترشح للرئاسة

يذكر ان إحجام جمال مبارك عن إعلان اعتزامه خوض المنافسة على منصب الرئاسة بات سؤالاً ملحاً، يفرض نفسه بقوة على واقع المشهد السياسي المصري، ولاحت في الأفق تفسيرات وتكهنات عدة يتقدمها تحسب الحزب الحاكم في القاهرة من ردود أفعال الأحزاب المعارضة، وموقفها من إشكالية التوريث، غير ان الأكثرية داخل الحزب ترى ان الإعلان عن مرشح الحزب في الوقت الراهن، يتعارض مع بنود المادة 76 من الدستور، وتسود التقديرات في الوقت ذاته حول إمكانية الإعلان عن مرشح الحزب الوطني الديمقراطي في أعقاب الانتخابات التشريعية التي تدور رحاها حالياً.

على الرغم من ذلك ترتفع مؤشرات ترشح الرئيس حسني مبارك لرئاسة الجمهورية مجدداً، ووفقاً لتقديرات الدكتور طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية في المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، تتنامى العديد من المؤشرات التي تؤكد ان الرئيس مبارك لم ينه برنامجه الانتخابي، فما زال مبارك أقوى المرشحين لمنصب الرئاسة ولا يوجد هناك من يقوى على منافسته سواء داخل الحزب أو خارجه، وفي ما يتعلق بتحسبات الحزب من الأحزاب المصرية المعارضة، أعرب الدكتور طارق فهمي المقرب من الحزب، ان الحزب يعمل دون ان يدخل في حساباته أحزاب أو غيرها من الحركات السياسية، فالواقع يشير إلى ان الأحزاب الأخرى لا تمتلك أرضية سياسية واعية يمكن التعويل عليها، أما ورقة مقاطعة الانتخابات، التي تلوح بها جماعة الإخوان المسلمين (المحظورة سياسياً) فلن تؤثر بشكل أو بآخر على مسار العملية الديمقراطية، ولن تقلل من فرص وقوف مرشح الحزب الوطني على أرضية ثابتة في ظل الشعبية العريضة للحزب الحاكم.

عناصر مستفيدة من الحملة

قضية تمويل الحملات الدعائية المؤيدة لجمال مبارك، كانت في صدارة تعليق رجل الأعمال المصري واحد أقطاب الحزب الوطني مصطفى السلاب، الذي نفى جملة وتفصيلاً وقوف أي من رجال الأعمال المحسوبين على الحزب الحاكم وراء الحملة الدعائية لتأييد جمال مبارك كمرشح للحزب، ملمحاً إلى ان مرشح الحزب لن يكون في حاجة إلى ذلك، وانه إذا حدث وكان في حاجة إليها فلن يكون في هذا التوقيت، فضلاً عن ان رجال الأعمال المصريين أو أقطاب الحزب ليسوا بهذه السطحية، فواقع هذه الحملات الدعائية يشير إلى وجود عناصر مستفيدة من هذه الحملة، تسعى إلى تحقيق مآرب معينة على حساب الحزب الحاكم ومرشحه المنتظر للرئاسة.

وأضاف السلاب انه من واقع التصريحات والجولات الميدانية التي قام بها جمال مبارك في مختلف محافظات الجمهورية، يتضح انه يمتلك رؤية سياسية وأيديولوجية تنطوي على بعد اجتماعي، دخل بسببه في خلافات مع بعض وزراء الحكومة، فكانت قضايا الجماهير وما زالت شغله الشاغل، ما يؤهله - إذا تقدم للترشح - ليكون رئيساً ميدانياً، فضلاً عن إدراكه لأبعاد اقتصادية في مقدمتها نظرية الخصخصة، ومواقفه السياسية التي تتمتع برؤية واضحة للعلاقات مع الولايات المتحدة والقوى الأوروبية، وآرائه المباشرة التي قد تبدو حادة مع إسرائيل، خاصة في ما يتعلق بالملف النووي أو غيره من ملفات شائكة.