أكدت دراسة أميركية أن فرض عقوبات علي حزب الله من خلال مجلس الأمن لن يؤدي لتصفية الحزب لجناحه العسكري.

واشنطن: شهدت جلسة مجلس الشيوخ الأميركي التي عقدت في الثامن من يونيو حول بدائل التعامل مع حزب الله اللبناني انقساماً حاداً بين مؤيدي تصعيد الضغوط علي الحزب للتخلي عن سلاحه والفريق المؤيد للحوار مع قيادات الحزب للتوصل لتسوية ملائمة ترضي كافة الأطراف اللبنانية، حيث أشار مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأدنى جيفري فيلتمان إلي أن حزب الله لا يزال يمثل تهديداً للأمن الداخلي في لبنان ولاستقرار منطقة الشرق الأوسط، مؤكداً علي أن نزع سلاح حزب الله شرط أساسي لاكتساب الشرعية الدولية معتبراً أن حزب الله لا يزال أكثر المجموعات الإرهابية قدرة في العالم، وهو يشكل تهديداً متواصلا للولايات المتحدة. ومن ثم فإن الحوار مع قياداته من منظور فيلتمان لن يكون مجدياً.

موقف إدارة الرئيس أوباما في هذا الصدد لا يختلف كثيراً عن سابقتها، حيث لا تعتبر الحوار مع حزب الله سياسة أحد بدائل سياستها تجاه الحزب وإن كانت تركز علي الحفاظ على الهدنة القائمة بين إسرائيل وحزب الله والحيلولة دون نشوب مواجهة عسكرية بينهما علي غرار الحرب الإسرائيلية علي لبنان في صيف عام 2006، مع التشديد علي منع تهريب الأسلحة إلي حزب الله، بما يعني أن إدارة أوباما تحمل حزب الله كافة تبعات التوتر علي المستويين السياسي والعسكري وتعتبر احتفاظ الحزب بأسلحته أحد أهم التحديات التي تقوض سيادة الدولة اللبنانية وتجعل التدخل الدولي والإقليمي في الشؤون الداخلية اللبنانية أحد ثوابت الوضع السياسي.

ومن هذا المنطلق جاءت دراسة كل من ستيفن سيمون و جوناثان ستيفنسون تحت عنوان quot;معضلة حزب اللهquot;، حيث أكدت الدراسة على أن فرض عقوبات علي حزب الله أو الدولة اللبنانية من خلال مجلس الأمن لإجبار الحزب علي التخلي عن أسلحته لن يؤدي لتغير الوضع الراهن و تصفية الحزب لجناحه العسكري علي غرار ما يعتقده بعض المحللين والساسة المحافظين في الولايات المتحدة، ويري المؤلفان أن الحوار يعتبر أكثر البدائل فاعلية وأقلها تكلفة بالنسبة للإدارة الأميركية إذا ما أرادت تحقيق الاستقرار علي الحدود اللبنانية الإسرائيلية والتصدي لجمود عملية السلام في منطقة الشرق الأوسط .

إشكاليات نزع سلاح حزب الله

لم تكن مطالبة الولايات المتحدة بنزع سلاح حزب الله الأولى على المستوي الدولي، حيث سبقها عدة دعوات من جانب عدة دول أوروبية تطبيقاً لمقتضيات القرار 1701 الصادر من مجلس الأمن عام 2006 علي أثر الحرب الإسرائيلية علي لبنان، وكانت من أهم تلك المطالبات ما ورد في تصريحات وزير الخارجية البريطاني ديفيد مليباند في ديسمبر 2009 حول ضرورة استمرار حوار بريطانيا مع حزب الله حول نزع سلاح الأخير لتعزيز سلطات الحكومة اللبنانية وسيادة الدولة .

و تظل احتمالات موافقة حزب الله على التخلي عن نزع أسلحته في إطار صفقة توافقية مع الولايات المتحدة والدول الغربية غير قابلة للتحقق واقعياً، نظراً لغياب تلك القضية عن الأجندة الداخلية اللبنانية، فعقب الصراع السياسي المحتدم قبيل الانتخابات البرلمانية اللبنانية، توافقت كل من كتلة الرابع عشر من آذار بزعامة سعد الحريري، وكتلة الثامن من آذار بزعامة كل من الأمين العام لحزب الله اللبناني السيد حسن نصر الله وميشيل عون، علي تشكل حكومة وحدة وطنية في 9 نوفمبر 2009، لا تتضمن أجندتها أي أشارة مباشرة أو غير مباشرة لنزع سلاح حزب الله ، وعقب تشكيل الحكومة توافق الطرفان علي إمرار تشريع يسمح لحزب الله بالاحتفاظ بأسلحته باعتبارها أحد ركائز سياسة الدفاع الوطني اللبنانية .

و لا يمثل حزب الله كما يبدو للوهلة الأولي مجرد ميليشيا مسلحة تقوم بأنشطة عسكرية مضادة لإسرائيل وإنما يمكن اعتبارها منظمة معقدة ذات وظائف عسكرية وسياسية واجتماعية خدمية، تستند لتمركزها في أحد أكثر المناطق احتياجاً للتنمية وتستمد قوتها من تمثيلها للطائفة الشيعية في لبنان إلي جانب حركة أمل ومما ساعد دور حزب الله علي التمدد، ما سببه الاستهداف الإسرائيلي المتواصل لجنوب لبنان من تصاعد لشعبية الحزب ليس فقط في الداخل اللبناني وإنما في المنطقة العربية بأسرها، وتلقي الحزب لدعم مادي وعسكري ودبلوماسي من إيران وسوريا، فضلاً عن الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان في مايو عام 2000 وهو ما اعتبرته قيادات الحزب مؤشراً علي نجاح الحزب في التصدي للجيش الإسرائيلي وإجباره علي الانسحاب أحادي الجانب، وهو ما تعزز بتصدي الحزب بنجاح للحرب الإسرائيلية علي لبنان في أغسطس 2006 .

وتشير كافة العوامل سالفة الذكر إلى تمتع الحزب بقدر كبير من الشرعية الداخلية والإقليمية تمنحه موقف تفاوضي قوي في مواجهة الأطراف الدولية المعنية بنزع سلاحه ناهيك عن احتمالية رفضه لطرح الفكرة أو التفاوض حول نزع السلاح لعدم وجود ضغوط داخلية ولغياب هذه القضية عن الأجندة المعلنة لتحالف 14 آذار .

وعلى مستوي آخر فإن حزب الله اللبناني يتمتع بشبكة علاقات دولية متميزة تدعم موقفه فيما يتعلق بنزع السلاح، فمجلس الشورى التابع للحزب له علاقات رسمية معلنة بالمرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي وعلاقات وثيقة بالحرس الثوري الإيراني الى جانب علاقات الحزب الوثيقة بسوريا وهو يعني أن التفاوض مع الحزب علي نزع السلاح يبدأ بتحييد علاقته بحلفائه الإقليميين لإضعاف موقفه التفاوضي وهو ما قد لا يكون ممكناً في ظل توظيف إيران لقدرات الحزب في الدفاع عن مصالحها الإقليمية وكخط دفاع جيواستراتيجي في مواجهة التهديدات الإسرائيلية باستهداف برنامجها النووي .

ومما يعزز من موقف حزب الله في مواجهة الضغوط الدولية التهديدات الإسرائيلية المتواصلة للبنان واستحكام العداء بين الدولتين وفي ظل افتقاد الجيش اللبناني للقدرة علي مواجهة إسرائيل وإحجام الولايات المتحدة والدول الأوروبية عن تزويده بمنظومات تسلحيه متقدمة استجابة للضغوط الإسرائيلية ولوجود مخاوف من سيطرة حزب الله عليها في ظل الضعف الذي يعتري مؤسسات الدولة اللبنانية نتيجة التعددية الطائفية والمذهبية .

معضلة تآكل الشرعية الداخلية

يعاني حزب الله في المقابل من نقاط ضعف تعزز من موقف الأطراف المؤيدة لنزع أسلحته أهمها تقلص الشرعية الداخلية للحزب بعد قيام الحزب بمحاصرة مقر الحكومة اللبنانية والسيطرة عسكرياً على بيروت في 7 مايو 2008 عقب الكشف عن شبكة اتصالات مستقلة للحزب، وهو ما أنطوي علي دلالة هامة أدركتها كافة القوي اللبنانية مفادها أن حزب الله قد يستخدم سلاحه لحسم الصراع السياسي في الداخل اللبناني لصالحه عكس أدعاء قيادات الحزب بأن منظومته التسلحية موجهة لإسرائيل بالأساس .

وكانت نتائج الانتخابات التشريعية اللبنانية مؤشراً آخر على التآكل التدريجي للشرعية الداخلية لحزب الله، حيث لم يفز التحالف الذي يقوده الحزب سوي بحوالي 57 مقعد من إجمالي 128 مقعد، في مقابل تحقيق تحالف 14 آذار للأغلبية، وقد يكون ذلك محفزاُ آخر يدفع قيادات الحزب للتفاوض حول تخليه عن سلاحه مقابل الاعتراف الدولي بشرعيته .

وتسهم علاقات التحالف الوثيقة بين الحزب وإيران في إضعاف شرعية حزب الله وتسمح لخصومه السياسيين في اتهامه بالعمالة للخارج وخدمة المصالح الإيرانية علي حساب مصلحة لبنان، وهو ما قد يدفع الحزب لتعزيز شرعيته الداخلية من خلال التأكيد علي استقلاليته عن طهران وقد يكون التفاوض حول نزع السلاح أحد الاستراتيجيات التكتيكية التي قد يتبعها الحزب.

ويرتبط ذلك بتقلص الدعم السوري للحزب واقتصاره علي الدعم اللفظي منذ انسحاب القوات السورية من لبنان عام 2005 علي أثر اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، ومنذ ذلك الحين، بدأت المكانة الإقليمية لسوريا في التراجع ومعها الدعم السوري لحزب الله وفي الآونة الأخيرة بدت سوريا أكثر رغبة في التقارب مع الولايات المتحدة وتحسين علاقاتها معها، ناهيك عن انخراط سوريا في مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل بوساطة تركية والتي توقفت مع بداية الحرب الإسرائيلية علي غزة نهاية عام 2008 وهو ما زاد من ضعف الدعم السوري لحزب الله وجعل إيران هي الطرف الإقليمي الأساسي الداعم للحزب .

الاحتواء ونزع سلاح حزب الله

تبدأ عملية نزع سلاح حزب الله بمراقبة واعتراض شحنات الأسلحة الإيرانية الموجهة إلى حزب الله قبل وصولها إلي لبنان والاستعانة بمساعدة سوريا في هذا الصدد، ويمكن اعتبار لقاء مساعد وزيرة الخارجية الأميركية وليام بيرنز والرئيس السوري بشار الأسد قبيل نهاية عام 2009 أحد المؤشرات علي اتجاه الإدارة الأميركية لدفع سوريا للامتناع عن مساعدة حزب الله وإيران في عمليات تهريب الأسلحة وهو ذات القضية التي ركزت عليها مباحثات الرئيس دانييل بنيامين منسق وزارة الخارجية الأميركية لشؤون مكافحة الإرهاب مع نظرائه السوريين خلال زيارته لدمشق في أكتوبر 2009 عقب مصادرة القوات الأميركية لثماني حاويات ذخيرة وأسلحة كان يتم نقلها عبر الحدود العراقية السورية ويعتقد أنها كانت في طريقها لحزب الله في جنوب لبنان .

و يمثل تحييد الدور السوري أحد أهم محددات نجاح نزع سلاح حزب الله ndash; وفق رؤية الكاتب ndash; لاسيما في ظل تصاعد الاتهامات الإسرائيلية لسوريا في أبريل الماضي بتهريب صواريخ باليستية متطورة لحزب الله والقذائف المضادة للطائرات من طراز SA-2 والتي استخدمها الحزب خلال الحرب الإسرائيلية علي لبنان عام 2006 ،و يتطلب التصدي لتهريب الأسلحة دعم قوات اليونيفيل الموجودة في جنوب لبنان والارتقاء بقدراتها العسكرية من خلال مشاركة قوات من عدة دول أهمها بريطانيا وفرنسا وألمانيا إلي جانب الولايات المتحدة .

على مستوي آخر فإن التقارب مع حزب الله والتفاوض مع قياداته مباشرة من شأنه أن يعزز فرص نجاح جهود نزع السلاح من خلال إيجاد صيغة لدمج الجناح العسكري لحزب الله في الجيش اللبناني بحيث يخضع لسيطرة مؤسسات الدولة اللبنانية، وهو ما يتطلب ممارسة ضغوط علي إسرائيل لتقديم تنازلات جادة علي المسار اللبناني لإنهاء التهديد الذي يمثله حزب الله لحدودها الجنوبية وأهم تلك التنازلات الانسحاب من مزارع شبعا المتنازع عليها والتسليم بالسيادة المطلقة للبنان عليها بما يؤدي لغياب المبرر الأساسي لاستمرار احتفاظ حزب الله بسلاحه .

وفي السياق ذاته فإن زيادة المساعدات العسكرية الأميركية الممنوحة للبنان ستكون أحد أهم العوامل الداعمة لطرح قضية نزع سلاح حزب الله علي الأجندة الداخلية اللبنانية، حيث لم تتجاوز المساعدات العسكرية التي وافقت إدارة الرئيس جورج بوش علي منحها للبنان حوالي 300 مليون دولار عقب الانسحاب السوري من لبنان ولكن فرضت الإدارة قيود علي واردات الأسلحة للبنان وخاصة القذائف المواجهة والدبابات والطائرات ومعدات جمع البيانات الاستخباراتية مراعاةً لاعتبار إسرائيل تلك المعدات تهديداً لأمنها القومي إذا ما استطاع حزب الله الحصول عليها نتيجة غياب الاستقرار السياسي وسيطرة الدولة في لبنان .

ومن ثم اقتصرت الإمدادات الأميركية للبنان علي بعض الطائرات التكتيكية بدون طيار وبعض الزوارق الحربية ولم تتمكن الولايات المتحدة من إمداد الجيش اللبناني بالأسلحة التي تؤدي لرفع كفاءته القتالية في مواجهة التهديدات الخارجية، ناهيك عن تعزيز قدرته للمساهمة في نزع سلاح حزب الله ، ومن ثم لم تعد قضية نزع سلاح حزب الله مطروحة بقوة علي الأجندة اللبنانية علي اعتبار أن القضية لا يمكن حسمها من داخلياً وأنها ستؤدي لمزيد من التردي للأوضاع السياسية غير المستقرة . ويخلص الكاتب إلي أن نجاح الجهود الدولية الهادفة لنزع سلاح حزب الله يتوقف علي بدأ الأطراف اللبنانية المناوئة لحزب الله في إيلاء مزيد من الاهتمام بها ووضعها علي أجندة الحوار الوطني مع حزب الله علي اعتبار أن تدعيم سيادة الدولة اللبنانية يقتضي احتكار الدولة اللبنانية في السيطرة علي أدوات القهر السياسي والمتمثلة في القوات المسلحة والشرطة وامتلاك حزب الله لمنظومة تسلحيه متطورة مستقلة عن الدولة اللبنانية يتعارض مع مقتضيات السيادة والأمن القومي اللبناني.