عندما أحرق الشاب التونسي محمد البوعزيزي نفسه، لتلتهب بلاده بعد ذلك في ثورة جامحة أطاحت بنظام زين العابدين بن علي، لم يكن يعرف أن النتيجة ستكون على هذا المنوال. لم يدرك البوعزيزي أن عدوى المطالبة بالحقوق وبإرساء الديموقراطية والعدالة الإجتماعية ودولة القانون ستنتقل في شرارات جسده الملتهبة المتطايرة لتزكي نيراناً خامدة تحت التراب في دول عربية أخرى.
ايلاف: من تونس حيث التغيير لم تضح معالمه النهائية بعد، إلى الجارة الجزائر التي أخذت تسير على الدرب نفسه، حيث انطلقت شعلة ثورة، لا يعرف إذا كانت قد خفتت مؤقتاً، بعد أن قامت مجموعة من التظاهرات، وانطلقت النداءات الداعية إلى التغيير الديمقراطي في البلاد ورفع القيود عن الحياة العامة وتحقيق التداول الديمقراطي للسلطة.
وكانت البلاد قد شهدت إضطرابات بين الرابع والتاسع من يناير على خلفية يأس الشعب من الوضع الحالي للجزائر على جميع المستويات السياسية والإجتماعية والإقتصادية، حيث أسفرت المواجهات بين المتظاهرين والأمن عن سقوط 5 قتلى وأكثر من 800 جريح في مختلف أنحاء البلاد.
وفي أم الدنيا، مصر، كانت التظاهرات التي انطلقت منذ الثلاثاء النيران الخامدة لبركان شعبي على خلفية ثورة الياسمين التونسية. حيث دعت جهات عدة لمواصلة التحركات الشعبية حتى الإطاحة بنظام الرئيس المصري حسني مبارك. وينادي المحتجون المصريون بسقوط النظام الحالي، ويدعون إلى التداول الديمقراطي للسلطة، وتعديل الدستور بما يوفر للشعب الحرية والأمن والإستقرار، إلى جانب توفير فرص العمل والحد من الغلاء..
ورغم الإعتقالات التي قامت بها قوات الأمن المصرية، حيث أعلن عن توقيف قرابة الألف متظار، إلا أن الدعوات لم تتوقف للتحرك بشكل أكبر. وأعلن اليوم أن تظاهرات جديدة ستنطلق غدا الجمعة بعد صلاة الظهر، في مختلف المحافظات المصرية.
ويتوقع أن تكون المواجهات بين المشاركين وبين القوى الأمنية المصرية عنيفة، خاصة مع الإعلان الذي تحدث عن قرار بالتوجه إلى مقر رئاسة الجمهورية في مصر الجديدة.
كما أن تظاهرة الغد ستشهد مشاركة الدكتور محمد البرادعي المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية ورئيس الجمعية الوطنية للتغيير الذي قطع زيارته إلى فيينا. وتطرح الكثير من التساؤلات حول مصير التحركات وإمكانية إحداثها لأي تغيير جذري في مصر، لكن الإجابة تبقى رهن الساعات المقبلة.
وفي اليمن السعيد، بدأت التظاهرات في العاصمة صنعاء بدعوة من المعارضة للمطالبة برحيل الرئيس اليمني علي عبد الله الصالح الذي يحكم البلاد منذ 32 عاما. ولكن حتى الآن لا تزال التظاهرات التي تنظمها المعارضة اليمنية مبعثرة، ولم تتوحد لتشكل شعلة لثورة حقيقية. وإن كان المتظاهرون يهتفون quot;يكفي حكم الثلاثين، تونس راحت في العشرينquot;، في اشارة الى حركة الاحتجاج الشعبي غير المسبوقة في تونس التي انهت حكم بن علي الذي استمر 23 عاما، فإن الهتاف لن يهز عرش الرئيس إلا إذا قامت حركة إحتجاجية فعلية في الشارع اليمني تحدد مطالبها بشكل واضح، لتحقق أهدافها المأمولة.
وإذا كانت ثورة الأرز في لبنان عام 2005، قد ساهمت بشكل سلمي في قلب المعادلات، فإن ما يشهده الشارع اليوم من تحول الموالاة إلى معارضة، في حين أخذت المعارضة بزمام السلطة، قد يبرر التظاهرات التي شهدتها مناطق لبنانية عدة. لكن لا يندرج ما يجري في لبنان ضمن الحديث عن التغيير، في بلد يشهد دوماً حركات تغيير تنتهي بالتوصل إلى تسويات بين المتخاصمين لتحقيق الإستمرارية للدولة المتنوعة في طوائفها وأحزابها.
ومن كل ما تقدم يبدو جلياً أن المنطقة العربية تسير بإتجاه تغيير مؤكد قد يحققه الشارع بجماهيره الداعية للديمقراطية والعدالة الإجتماعية والحرية، وتحقيق إصلاحات جذرية اقتصادية وسياسية في الأنظمة.
التعليقات