تسعى الحكومتان المصرية والتركية الى تحقيق تحالف توحده قيادات تمتد جذورها في الاسلام السياسي، بهدف مواجهة مخاطر الحرب المستعرة على أعتاب تركيا، ومشاكل مصر الاقتصادية والسياسية.


لندن: في مواجهة مخاطر الحرب المستعرة على أعتاب تركيا الجنوبية، والمشاكل السياسية والاقتصادية التي تنوء بها مصر، لجأت قيادتا البلدين إلى أحداهما الأخرى من أجل التعاضد في محور يرى مراقبون أنه يمكن أن يشكل تحولا جيوسياسيا بالغ الأهمية في الشرق الأوسط، بدفع من تداعيات الربيع العربي. وسيوحد مثل هذا التحالف دولتين لهما مطامح إقليمية وعلى رأس كل منهما قيادة تمتد جذورها في الاسلام السياسي، بحسب هؤلاء المراقبين.
وتبحث مصر وتركيا حاليا إمكانية إلغاء تأشيرات الدخول بعد التمارين البحرية المشتركة التي أجراها البلدان في البحر المتوسط مؤخرا. واقترحت تركيا جملة إجراءات لتعزيز الاقتصاد المصري بينها حزمة مساعدات قيمتها مليارا دولار.

ويجري الحديث حتى عن مساعدة تركية لمصر في ترميم مبان أثرية من الفترة العثمانية. ومن المتوقع إعلان شراكة واسعة بين البلدين في الأسابيع المقبلة عندما يزور القاهرة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الذي يشترك حزبه مع القيادة المصرية في أصولهما الاسلامية.
ويأتي التحالف الجديد في أعقاب الزلزال السياسي الذي هز النظام الاقليمي بإسقاط حسني مبارك في مصر، ومعمر القذافي في ليبيا وزين العابدين بن علي في تونس، واندلاع الانتفاضة في سوريا. ورغم تراجع دور مصر الاقليمي في عهد مبارك بسبب ضعفها الاقتصادي، وضمورها الدبلوماسي، فانها تبقى قوة إقليمية في ظل التحالف مع العربية السعودية مثلا. وكثيرا ما كانت مصر تشتبك مع تركيا في سباق على كسب عقول الشارع العربي وقلوبه. ولكن تركيا التي برزت مدافعا عن قضية الشعب الفلسطيني، دفعت quot;مصر مباركquot; إلى المؤخرة في هذا السباق.

في غضون ذلك، قطعت تركيا العلاقات التي كانت تربطها بنظام الرئيس السوري بشار الأسد، وفتحت جبهة مع حكومة العراق التي تسيطر عليها أحزاب شيعية بعد سنوات من العمل على بناء علاقات سياسية واقتصادية في عموم العالم العربي.
وإزاء هذه التطورات، يرى معلقون أن مصر وتركيا تحتاجان إلى إحداهما الأخرى في تحالف يمكن أن يحدد شكل المنطقة لسنوات قادمة، وأن يساعدها على الخروج من ثورات الربيع العربي بطاقة متجددة.

ونقلت صحيفة نيوويرك تايمز عن جمال سلطان، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في القاهرة quot;ان مصر تبدو الآن شريك تركيا الأوثق في الشرق الأوسطquot;. وأضاف أن إحدى القوى الدافعة لهذه الشراكة الناشئة بين البلدين خسارة تركيا quot;شريكا كبيرا في سورياquot;.
وتسعى تركيا إلى تعزيز نفوذها في المنطقة، بالتوجه إلى مصر متخذة الاجراءات نفسها التي استخدمتها في الانفتاح على سوريا قبل سنوات قليلة، في ما أصبح ركنا أساسيا من أركان السياسة الخارجية التركية بتوجهها نحو الشرق الأوسط بعد الصدود الذي لاقته من اوروبا.

ولعل انهيار العلاقات مع سوريا هو ما دفع تركيا إلى حث الخطى نحو التحالف مع مصر، ولكن للشراكة الجديدة جذورا مشتركة في الاسلام السياسي الذي تنتمي اليه قيادات البلدين أفرادا وحركات سياسية، سواء في مصر بقيادة الرئيس محمد مرسي وحزب الحرية والعدالة، الجناح السياسي لجماعة الاخوان المسلمين، أو في تركيا بقيادة رجب طيب اردوغان وحزب العدالة والتنمية. ويذهب مراقبون إلى أن هذه الآصرة تتيح فرص إقامة تكتل إسلامي سني حتى وإن كان كل من البلدين يطرح فهما مغايرا لإمكانية التعايش بين الاسلام والديمقراطية.
ولكن محللين قالوا إن اردوغان ومرسي يخاطران في تحالفهما بإثارة الداخل عليهما إذا ذهبا بعيدا في احتضان أحدهما الآخر. وفي حالة أردوغان فانه قد يواجه انتقادات من العلمانيين المتشددين الذي فرضوا العلمانية فرضا على تركيا. ورغم كل الحديث عن النموذج التركي الذي يمكن ان تقتدي به مصر في إقامة ديمقراطية إسلامية، فان الكثير من الإسلاميين المصريين المتزمتين يشككون في هوية تركيا الاسلامية، حيث ما زال الحجاب ممنوعا في الدوائر الرسمية أو على من تريد الترشح لمنصب عام، بحسب المحللين.

وقال أستاذ العلوم السياسية جمال سلطان quot;إن الاخوان المسلمين منقسمون بشأن تركيا كنموذج يُقتدىquot; مشيراً إلى ان لدى بعض المحافظين من الإخوان المسلمين quot;رؤية لمصر أكثر إسلامية بكثيرquot; من رؤية حزب اردوغان لتركيا.
ولكن خبراء يلاحظون أن قادة البلدين إذ ينظرون إلى العالم كما هو اليوم، لا يرون بديلا من التحالف رغم هذه المطبات الداخلية. وأن تركيا بإقامة شراكة في المجالات الأمنية والاقتصادية والدبلوماسية مع مصر، تخدم مطامحها في الشرق الأوسط في وقت تبدد حلمها بعضوية الاتحاد الأوروبي بعد ما كان محورا مركزيا في سياستها الخارجية.

وقال شادي حامد، مدير الأبحاث في معهد بروكنز الدوحة إن العلاقات بين تركيا ومصر quot;أمتن اليوم منها في السنوات وربما العقود الأخيرةquot;. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن حامد quot;أن تركيا أصبحت عمليا زعيمة العالم العربي رغم أنها ليست عربيةquot;.
ويتفق هذا الرأي مع انطباعات مراقبين لاحظوا أن مشهد المؤتمر السنوي لحزب العدالة والتنمية في أنقرة مؤخرا، رسم صورة الاصطفافات الجديدة في الشرق الأوسط بوقوف تركيا وراء دفة القيادة. وأعرب مرسي في المؤتمر عن امتنانه quot;للدعم الذي قدمه وسيقدمه الشعب التركي وحكومتهquot;. واعلن رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل وسط تصفيق المندوبين الذي وقفوا تحية له مخاطبا اردوغان quot;أنت لست زعيما لتركيا فقط بل لكل العالم الاسلاميquot;.

ولكن دور تركيا بوصفها لاعباً كبيراً في المنطقة، مثقل بأعباء تاريخ من الهيمنة العثمانية على الشرق الأوسط وما أورثته من مرارة بسبب المعاملة التي لاقاها العرب على أيدي العثمانيين، بحسب بول سوليفان الخبير الأمني المختص بشؤون الشرق الأوسط في جامعة جورجتاون الأميركية، الذي يكتب عموداً سياسياً في إحدى الصحف التركية. وبالتالي فان الشراكة المنشودة يمكن بكل سهولة ان تنكفئ عائدة إلى منافسة اقليمية على زعامة المنطقة ، وخاصة إذا نجحت مصر في تحقيق الاستقرار السياسي ودفع عجلة النمو الاقتصادي مجددا. وقال سوليفان quot;إن هناك في الشخصية المصرية ذلك الاعتقاد بأن مصر يجب ان تكون زعيمة المنطقةquot;.
ويتبدى دور تركيا الإقليمي المتغير في قصة محمد بيطار، السوري الذي كان يقضي إجازته السنوية في تركيا طيلة الأعوام العشرين الماضية ، يطوف انحاءها بالسيارة ملتقطا في هذه الأثناء نحو 8000 صورة فوتوغرافية، بحسب تقديره. وفي دمشق أصدر بيطار دليلا سياحيا بالعربية عنوانه quot;تركيا، جنة على الأرضquot; وعلى غلافه صورة مسجد يطل على ضفاف البحر الأسود.

وقال بيطار إن دليله السياحي كلفه في بلده 23 يوما في السجن بتهمة العمالة للموساد عندما كانت تركيا ترتبط بعلاقات وثيقة مع اسرائيل.
بيطار الآن واحد من عشرات آلاف السوريين اللاجئين في تركيا هربا من الحرب في بلدهم، وبدأ يستقر في تركيا بفتح مطعم في اسطنبول يقدم أكلات عثمانية وعربية. وقال بيطار لصحيفة نيويورك تايمز quot;نحن نحترم تركيا بسبب انجازاتها. فأنا سوري ولكني أُريد ان تكون الزعامة لتركياquot;.