شكَّلت إصابة الصحافية أديت بوفييه في حمص ومن ثم نقلها من لبنان الى فرنسا، مادة دسمة فتحت من جديد موضوع إرهاب الصحافة والصحافيين على جبهات القتال، هذا الارهاب يشكِّل كأسًا مرَة يتجرّعها الاعلامي بصبر عندما يحمل عدَّته ويتوجه الى أماكن النزاع، ليستقي الخبر مجازفًا بحياته.


بيروت: إرهاب الصحافة والصحافيين ليس بجديد، وليس ما تعرض له المراسلون الأجانب كان آخرهم الفرنسية اديت بوفييه، في حمص، هو وليد اللحظة، ويبقى القول إن الحرب الاميركية - البريطانية ضد العراق كانت من أكثر الحروب دموية بالنسبة الى الصحافيين، فالمراسلون لم يقعوا فقط ضحية التضليل والتلاعب والضغوط على أنواعها، وانما هم وقعوا ايضًا ضحية العنف، وأحيانًا ضحية العنف المتعمد ضدهم، لإرهابهم وإسكاتهم أو إبعادهم، فحرب العراق 2003 التي استغرقت 28 يومًا، كان كل يوم تقريبًا تفقد الصحافة مراسلاً لها، ومن اصل عشرة صحافيين قتلوا في المعارك، سبعة قتلوا برصاص القوات الاميركية، فقد شكل كل يوم من هذه الحرب يومًا أسود للصحافة، في 8 نيسان/ابريل على سبيل المثال، قصفت دبابة أميركية متمركزة فوق جسر الجمهورية فندق فلسطين الذي يقيم ويعمل فيه المراسلون الاجانب، ما ادى الى مقتل المصور التلفزيوني الاسباني جوزي كوسو، والمراسل في وكالة رويترز تاراس بروتسيوك، وإلى اصابة ثلاثة صحافيين آخرين بجروح، هم اللبنانية سامية نخول، مديرة رويترز في الخليج، والمصوِّر العراقي صالح خيبر، والفني البريطاني بول باسكوال. وفي اليوم عينه قصفت الطائرات الاميركية مكاتب قناة الجزيرة في بغداد فقتلت المراسل طارق ايوب، وجرحت مساعده زهير ناظم عباس.

وكذلك مع بداية الهجوم الاميركي على افغانستان (2001) دمرت القوات الاميركية مكتب الجزيرة في كابول بصواريخ قيل إنها quot;طائشةquot; ونجا منها بأعجوبة مراسل الفضائية القطرية في العاصمة الافغانية تيسير علوني.

لذلك، يمكن القول إن إرهاب الصحافة والصحافيين هو خبزهم اليومي عندما يتوجهون لتغطية الحروب والنزاعات.

عندما يتذكر قاسم حمادي ( مراسل دولي وحربي لصحيفة expressen)تغطياته في البلدان العربية التي حدث فيها الحراك السياسي والاجتماعي، يعود بالذاكرة الى ما مر به خلال تغطيته في الدول العربية ففي تونس كانت اولى الانتفاضات، وعندما ذهب لتغطية الاحداث كان لا يزال الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين في الحكم، وكفريق صحافي لم quot;نكن نتوقعquot; يضيف قاسم quot; انها ستكون بداية انهيار أنظمة، في تونس تعرضنا الى بث شائعات في الشارع التونسي ان صحافيين اجانب هم عملاء للنظام التونسي وزين العابدين، فأصبحنا أمام مواجهة خصمين، أي الشارع الناقم على زين العابدين، والناس والجيش والامن الذين قاموا ضده ايضًا.

ويتذكر قاسم أنه تمّ سحب السلاح عليهم في شارع بورقيبه، وتم تفتيش حقائبهم، ويؤكد قاسم أن المراسل الحربي يتدرّب على مواجهة هكذا ظروف من خلال عدم المجابهة اذا ما رفع عليهم السلاح وذلك بطريقة سيكولوجية.

وفي تونس، لم يصب أحد من الصحافيين، يضيف قاسم، وحسمت الأمور مباشرة، وكانت الأمور برأيه الى حد ما سلمية.

اما في مصر، كانت مشكلة الاعلاميين برأيه الأساسية مع بلطجية النظام، وقُتل اثنان وأصيب صحافي سويدي وكانت إصابته خطرة، ويضيف quot;تعرضت مع زميلي المصور عندما قال وزير الداخلية إن الاجانب هم الذين يقومون بهذه الحركات ويمولون المشاغبين، تعرضنا لهؤلاء البلطجية، خطورة مصر كانت أن الجيش حيَّد ذاته، ولا يحمينا كصحافيين، فكنا الى حد ما متروكين، ونتوجه الى الأماكن شبه الآمنة، وهي مناطق محسوبة على الطبقة الوسطى وما فوق، وكنا مثلا نحتمي في منطقة الزمالك في فنادقها، ونذهب من هناك الى ميدان التحرير.

وquot;ما واجهناه هناك أن النظام السابق كان لديه البلطجية ويستعين بعمال من الفنادق وأصحاب التكسيات للحصول على معلومات عن الاعلاميين، وحصلت معنا حادثة يضيف قاسم، فقد كان قد مرّ أسبوع على تغطيتنا، ولم نعد نملك مالاً، وقطعوا الانترنت والتلفون، وأتى زميل لي من نيويورك، معه المال والأجهزة التي نريدها، فذهبنا للقائه في المطار، وأخذنا تاكسي غير خاص، أدخلنا في طريق العودة الى منطقة لا نعرفها في النهار، وهي تابعة لبلطجية النظام، منطقة راس الحمرا، وفهمنا انه يريد تسليمنا للبلطجية، أوقفونا وأرادوا أن يأخذوا الحقائب، فتحدثت معهم بالعربية، وحاولت قدر المستطاع تمرير الوقت، واتصل احدهم بمخابرات الجيش وتدخلت هذه الاخيرة، وأنقذونا منهم، الى ثكنة، وأخبرونا أنهم لو لم يفعلوا ذلك لكان البلطجية قتلونا.

ويضيف حمادي:quot; لم تجر معارك في مصر أسوة بليبيا وسوريا، وكان خصمنا عمليًا هؤلاء البلطجية والنظام ومن يوالي النظام.

ليبيا

يتذكر قاسم انه كان من اول ثلاثة دخلوا ليبيا، وخطورة ليبيا برأيه كانت بأمرين:quot; خطورة أن هناك معارك عادية وسلاح مع الجميع، وممكن أن يقتل احدهم على الجبهة كما حصل مع أحد الصحافيين، وخطورتها الثانية تكمن في الأمان الداخلي، ففي بلد كليبيا في الاسبوع الاول تعاطف الناس معنا، في الاسبوع الثالث، اصبحنا كمصرف متجول من خلال سرقتنا، وتعرض عدد كبير من الصحافيين للسطو بالقوة، بالسلاح والسكاكين، ولم نكن نعرف من أي فئة، وعندما أصبحت بنغازي بيد الثوار كان القذافي قد فتح السجون مع إخلاء سبيل بحدود 4 آلاف سجين وانتشروا في الشرق الليبي وخلقوا فوضى، المعارك كنّا نعرف حدودها ونستطيع حماية أنفسنا منها، ولكن الناس العاديين وناس النظام أخذوا الصحافيين هدفًا، فمثلا قُتل مراسل الجزيرة في بنغازي.

سوريا

ويقول قاسم إن سوريا وضعها مختلف عن ليبيا، ويضيف انه تعرف إلى الصحافية التي أصيبت في سوريا اديت بوفييه، ولكن في ليبيا وليس في سوريا، وكان هناك نوعان من الصحافيين في سوريا، النوع الذي اختار ان يدخل عبر النظام مع فيزا وشرعيًا، وهناك من دخل على بابا عمرو من دون علم النظام.

في سوريا خطورتها كانت أنه قد يتم قتلك أو التعرض لك أمنيًا من دون معرفة من قام بذلك لوضع اللوم على الفريق الآخر.

وهذا حصل فعلاً فمع مقتل الصحافي الفرنسي جيل جاكييه في القصف على حمص منذ شهر تقريبًا، هنا أعلنت المعارضة السورية أن النظام قتله، وكشفت صحيفة الفيغارو الفرنسية فيما بعد أن المعارضة قتلته من خلال قصف المكان الموجود فيه.

تضامن مع الاعلاميين

يرى الاعلامي علي الامين أن موضوع التعرض للصحافيين قد لا يكون جديدًا في تاريخ الثورات والمواجهات والحروب، باعتبارهم مصدرًا أساسيًا لمعرفة ما يجري من أحداث وتطورات في اي منطقة او متابعة أي حدث يجري في العالم، لكن بالتأكيد في المرحلة الأخيرة شهدنا تطورًا على هذا الصعيد، ينطوي على مزيد من سقوط ضحايا من الصحافيين، سواء في العراق او افغانستان او دول متعددة وربما أخيرًا في سوريا، وذلك لسبب أساسي، أن الإعلام بات له دور اساسيّ ومؤثر في مسار هذه الصراعات، وكثير من القوى والاطراف تعتبر أن خصمها هو الاعلام، وما يجري في العالم العربي وتحديدًا في سوريا، هي أكثر الدول التي نشهد فيها التعتيم، لم نشهد في العالم العربي الآخر هذا التضييق على الصحافيين كما هو الحال في سوريا، ومن هنا عمل الصحافيين الاجانب والعرب وغير السوريين في سوريا يخضع لشروط قاسية الى حد أن يتحول الصحافي الى ناطق باسم وزارة الاعلام السورية، وليس قادرًا أن يقوم بعمل صحافي حقيقي وشفاف ومن دون متابعة ومراقبة وتوجيه من الاجهزة الرسمية، اعتقد أن ما حصل في سوريا اخيرًا، يتابع الامين، واستهداف الصحافيين في بابا عمرو وغيرها، يعبِّر عن ارادة عمل الصحافيين ان يقوموا بدورهم الحقيقي، وربما دخلوا لهذا السبب بطريقة غير شرعية، وقد يبدو مبررًا، لأن التشديد على دخولهم، هو انتهاك لممارسة المهنة الصحافية.