في محاولة لمصالحة اللبنانيين مع ذاكرتهم يبدأباص مجهزة بارشيف حول الحرب الاهلية بجولة في انحاء البلاد.


باص عين الرمانة تحول إلى رسالة سلام

بيروت: يبدأ باص مجهز بارشيف الحرب الاهلية اللبنانية (1975-1990) اعتبارا من الجمعة الذي يصادف الذكرى ال37 لاندلاع الحرب، جولات في انحاء البلاد، في مبادرة تهدف الى quot;مصالحة اللبنانيين مع ذاكرتهمquot; وquot;تعزيز السلم الاهليquot;، بحسب القيمين على المشروع.

ويطرح الباص الجديد المجهز باجهزة كومبيوتر ومكتبة صغيرة من الافلام والكتب بديلا لquot;باص عين الرمانةquot; الشهير الذي كان يقل فلسطينيين ويمر في 13 نيسان/ابريل 1975 في ضاحية عين الرمانة المسيحية شرق بيروت عندما استهدف برصاص غزير تسبب بمقتل حوالى عشرين شخصا.

وكان سبق اطلاق النار على الباص تعرض تجمع من الاشخاص خلال مناسبة لحزب الكتائب المسيحي قرب كنيسة في المكان لاطلاق رصاص ادى الى مقتل رجل.

على الاثر اندلعت حرب بين اللبنانيين المسيحيين من جهة والفلسطينيين المدعومين من اللبنانيين المسلمين واليساريين الذين كانوا يحتجون على هيمنة المسيحيين الموارنة آنذاك على السلطة في البلاد.

واستمرت الحرب 15 عاما ودخل على خطها السوريون والاسرائيليون ودول اخرى واسفرت عن سقوط حوالى 150 الف قتيل وتدمير البلاد. وانتهت بquot;وثيقة الوفاق الوطنيquot; التي وقعها النواب اللبنانيون في مدينة الطائف السعودية العام 1990 والتي اوجدت تقاسما جديدا للسلطة، من دون ان تنتج استقرارا سياسيا او امنيا ثابتا.

وتقول جوانا نصار، منسقة مشروع quot;تعزيز السلم الاهلي في لبنانquot; التابع لبرنامج الامم المتحدة الانمائي والذي يشارك مع مركز quot;أممquot; للابحاث في مشروع الباص، quot;المصالحة بين اللبنانيين لن تصبح فعلية اذا كنا لا نستطيع معالجة موضوع الذاكرة الجماعيةquot;.

وتضيف quot;فكرة ايجاد باص جديد يجسد السلام مقابل الباص المرتبط في ذاكرة اللبنانيين ببداية الحرب الاهلية تهدف الى تحويل الذاكرة السلبية الى ايجابيةquot;.

وينقسم اللبنانيون حول النظرة الى الحرب واسبابها، بين من يحمل العامل الفلسطيني المسلح المسؤولية كاملة، ومن يرى ان انعدام العدالة والمساواة بين الطوائف جهز الارضية للانفجار.

كما يختلفون على التسميات، وهو امر تجلى بوضوح خلال المحاولات الفاشلة في السنة الاخيرة لوضع كتاب تاريخ موحد يدرس في مدارس لبنان.

ففي حين يطلق المسيحيون على مواجهاتهم المسلحة مع القوات السورية في الثمانينات صفة quot;المقاومةquot;، يكتفي الطرف الآخر بذكر كلمة quot;احداثquot;.

وفي حين يعتبر اللبنانيون المؤيدون لحزب الله الشيعي الحزب quot;مقاومةquot;، يرى آخرون ان ذلك لا يعطيه الحق بالاحتفاظ quot;بسلاحه غير شرعيquot; ويطالبون بنزع هذا السلاح.

وتحدث رئيس مركز quot;امم للتوثيق والابحاثquot; لقمان سليم خلال اطلاق مشروع quot;الباص ان حكى...quot; الخميس عن quot;شعور متفاقم بين شرائح واسعة من اللبنانيين انهم انما يعيشون في ظل سلم ناقصquot;.

وشهد لبنان منذ العام 2005 سلسلة ازمات سياسية تخللتها عمليات اغتيال ومعارك في الشارع بين انصار الاكثرية والمعارضة وحرب مع اسرائيل.

ونجح مركز امم خلال السنوات الماضية في اقتناء quot;باص عين الرمانةquot; الذي يعرضه امام مقره في الضاحية الجنوبية لبيروت، وقد غلفه الصدأ، فيما زجاجه محطم وآثار الرصاص بادية فيه.

وبتمويل من الاتحاد الاوروبي، قدم برنامج الامم المتحدة الانمائي للمركز الباص الجديد كهبة، فعمل على تجهيزه واعداده للجولات داخل لبنان.

وتوضح جوانا نصار لوكالة فرانس برس ان الجولة ستبدا اليوم من وسط بيروت حيث كانت خطوط التماس وسيتوقف الباص لمدة ساعتين امام مبنى لا تزال آثار الحرب ظاهرة في جدرانه المثقوبة.

ويمكن لكل من يرغب بتثقيف نفسه حول الحرب اللبنانية والتصالح مع ذاكرته، ان يدخل الباص ويطلع على الارشيف.

ويقول محمد المقداد الذي اصيب اصابة بالغة في يده خلال الحرب عندما كان في التاسعة من عمره انه يرى في مشروع الباص quot;نقلة نوعية لنسيان ذاكرة الحرب المترسخة ولكسر الهواجس ونزع فتيل الحربquot;.

وترى سونيا نكد ان الباص quot;فرصة ليعرف الشباب اكثر عن الحرب ويدركوا سهولة اندلاعها عندما تكون الارضية جاهزة لذلك، ولتجنب ان يكونوا بدورهم اداة للحربquot;.

بعد بيروت، سيتنقل quot;باص السلامquot; في مناطق عدة حتى نهاية هذا العام. وسيفتح ابوابه في كل محطة لطلاب المدارس وغيرهم من فئات المجتمع للغوص في ارشيف جمعته امم ويتضمن كتبا وصحفا وبيانات ومنشورات وافلاما عن الحرب.

ويقول هنري آدم وهو يتفقد الباص الجديد quot;في 1975، اخذ اللبنانيون بلدهم الى الهاوية ودفع لبنان الثمن غاليا. هذا الباص سيساهم في توعيتهم على تجنب اخطاء الماضيquot;.