الكشف عن وثائق تشير إلى عمل كولاس مع إستخباراتها
هل ساهمت ألمانيا الشرقية في التمهيد للثورة الطلابية عام 1968؟

صالح كاظم من برلين: في العام 1967، قبل زيارة شاه إيران رضا بهلوي الى برلين الغربية، أطلق رجل بوليس يرتدي الملابس المدنية الرصاص على الطالب بينو أونيسورغ، فأرداه قتيلا، فكان هذا الحادث، حسب المؤرخين، واحدا من أسباب الإنتفاضة الطلابية التي هزت برلين وألمانيا الغربية وأمتد تأثيرها الى مختلف بلدان أوروبا الغربية. الشرطي الذي قتل أونيسورغ هو كارل هاينتس كولاس، وهو حاليا شيخ عجوز قد تجاوز الثمانين من عمره، كانت السلطات قد أطلقت سراحه بسبب نقص الأدلة على جنايته.

كانت هذه القضية في عداد النسيان لولا قيام quot;المفوضية الإتحادية لملفات مؤسسة امن الدولة في جمهورية المانيا الديمقراطية سابقاquot; بالكشف عن وثائق تعود لذلك الوقت تشير الى ان كارل هاينتس كان مخبرا لدى مؤسسة أمن الدولة في المانيا الديمقراطية (شتاسي)، إضافة الى كونه عضوا في الحزب الإشتراكي الألماني الموحد SED الذي كان على رأس النظام الشمولي في ألمانيا الديمقراطية. أثار نشر هذه الوثائق وتداولها من قبل الإعلام الألماني ضجة كبيرة في الأوساط السياسية والثقافية، حتى طالب البعض بمراجعة تاريخ quot;الثورة الطلابيةquot; في ألمانيا من منظور جديد، أي بالأرتباط بدور مخابرات المانيا الشرقية في السعي لنشر الإضطراب في برلين الغربية وخلق بؤر تخريبية هدفها تهديم البنية الإجتماعية لـ quot;المجتمع الألماني الغربيquot; بما فيه مصلحة الطرف الآخر. غير أن وجهة النظر الأكثر إنتشارا في الأوساط السياسية هي تلك التي تشير الى أن تصرف كارل هاينتس كولاس كان تصرفا فرديا يرتبط مباشرة بالأحداث التي أرتبطت بزيارة الشاه لبرلين الغربية في حينها وما أحاط بها من صراعات بين الطلاب اليساريين وأتباع الشاه من الإيرانيين المتطرفين والمخابرات الإيرانية.

وفيما يتعلق بالمعلومات التي نشرتها quot;المفوضية الإتحاديةquot; فهناك إجماع على صحتها من قبل الجميع، غير أن هناك من تساءل عن السبب الذي دفع quot;المفوضيةquot; لعدم التعجل في نشرها رغم كونها كانت متوفرة منذ فترة زمنية طويلة، مؤكدا على ضرورة إلحاق ملفات quot;المفوضيةquot; بـ quot;الآرشيف الإتحاديquot; لكي تتوفر للجميع فرصة الإطلاع عليها، غير أن مديرة المفوضية حاليا، ماريانه برتلر أوضحت بأن هذه الوثائق كانت ضمن ملف سري يتعلق بالمخبرين الغربيين الذين كانوا يعملون لمصلحة المخابرات الشرقية وبأن الكشف عن هذا الملف جاء نتيجة لطلب أحد الباحثين توفيرها له بحثا عن معلومات جديدة تتعلق بتسريب معلومات حول الأجهزة الإدارية الغربية الى quot;المانيا الديمقراطيةquot;. ومما يثير الإستغراب أن كارل هاينتس كولاس كان يعمل في حينها لدى جهاز البوليس البرليني الغربي مسؤولا عن quot;متابعة تحركات أجهزة المخابرات الشرقية في إدارة برلين الغربية وأجهزتها الأمنيةquot; كما ورد في quot;دير شبيغلquot;.

لكنه بدلا من تأدية المهمة التي كان مكلفا بها قام بكتابة تقارير الى الـ quot;شتاسيquot; حول مقدمي اللجوء الألمان الشرقيين وحول الإداء الأمني للأجهزة المخابراتية التي كان يعمل فيها. وفي الوقت الذي أكد فيه المتقاعد كارل هاينتس كولاس على صحة ما ورد في التقارير حول إرتباطه بالمخابرات الألمانية الشرقية وعضويته في الحزب الإشتراكي الألماني الموحد، نراه مايزال على ثقة تامة بأنه لن يتعرض مجددا للمحاكمة بسبب مقتل التلميذ أونيسورغ، ذلك أن هذه quot;القضية قد بت فيها، ولم يعد هناك من يمكن أن يتهمني بها..quot;

من جهة أخرى ترى منظمة quot;ضحايا الستالينيةquot; أن من الضروري تقديم كولاس مجددا للمحاكمة، بحثا عن الحقيقة التاريخية وذلك بتهمة القتل المتقصد. أما وزير الخارجية الألماني السابق أوتو شيللي فأنه يرى وفق quot;دير شبيغلquot; بأن هناك العديد من الأجواء الغريبة التي أحاطت بمحاكمة كولاس التي مثل فيها عائلة الضحية، حيث أختفت العديد من الأدلة المادية والمعنوية على الجريمة اثناء مجرى المحاكمة مما يمكن أن يدل على مشاركة الـ quot;شتاسيquot; في إخفاء آثارالجريمة بغرض تبرير ذمة كولاس.

ومن الجدير بالذكر أن quot;مفوضيةquot; برتلر تشرف على آلاف الوثائق المتعلقة بعمل المخابرات الألمانية الشرقية والمتعاونين معها في مختلف أنحاء العالم وفي ألمانيا الديمقراطية، ومن ضمنهم مخبرون من مختلف الجاليات الأجنبية المقيمة في شرق ألمانيا بما فيها الجالية العربية.