مرّت خمس سنوات على انسحاب الجيش السوري من لبنان، وعلى الرغم من اقامة علاقات دبلوماسية بين الدولتين في كانون الاول 2009، تمثّلت بانشاء سفارتين في كل من الدولتين وتبادل الزيارات الرسمية، الا ان مسائل عديدة ما زالت معلّقة بينهما، أحدها ملف المعتقلين في السجون السورية الذين ما زالت الدولة السورية تنكر وجودهم. ريمون سويدان، احد المعتقلين السابقين فتح لـ quot;ايلافquot; ملفاً يحرص على التذكير بأنه يحمل قضية انسانية قبل اي شيء اخر.

بيروت: في 7 آذار/ مارس 1998 أفرج الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد عن دفعة من المعتقلين في السجون السورية شملت 150 معتقلاً. وصل منهم الى لبنان 121 شخصاً بعدما قرر السوريون إعادة الباقين الى زنازينهم. ريمون سويدان، هو احد المحظوظين الذين أُفرج عنهم ذلك العام. الذي تجرّأ سنة 1993 على اعلان معارضته لنظام الوصاية السوري والتنديد به، وكان تلميذ ضابط في المدرسة الحربية. فسُلّم إلى القوات السورية على يد ضابط لبناني وهو في الثلاثة والعشرين ربيعاً. ودخل السجن السوري بتهمة quot;التعامل مع اسرائيلquot; عندما اجتاحت لبنان سنة 1982، علماً أنه كان يبلغ من العمر في ذلك الوقت 12 عاماً فقط .

بعد خمس سنوات، عاد ريمون الى وطنه ليخبر عن المعاملةالتييتعرض لهاالمعتقلون في السجون السورية التي صفها بشديدة القسوة والتي لا تليق بإنسان، ووتحدث عن اسرى لبنانين يتعرّضون للعنف، والضرب وغيره، ومحرومين الطعام والنوم .

وعند انسحاب الجيش السوري من لبنان بعدمقتل رئيس الحكومة الاسبق الرئيس رفيق الحريري والتظاهرات التي طالب فيها اللبنانيون بسيادة وحرية واستقلال لبلادهم، رأى ريمونبصيصا من النور. فلعلّ استعادة لبنان سيادته تؤّدي الى استرجاع quot;الباقينquot;من السجون السورية على ما يروي. فماذا تغير من 26 نيسان 2005 حتى اليوم؟

يقول سويدان لـ quot;ايلافquot; ان quot; الدول اليوم باتت تعلم على الاقل بوجود ملف اسرى لبنانيين في السجون السورية. كما ان اللبنانيين، وخصوصا اهالي المعتقلين، باتوا يجرؤون على المطالبة باسترجاع احبّائهم بعد تخلّص لبنان من الاحتلال السوريquot;. ويضيف: quot;اثناء الوجود السوري في لبنان، لم يكن بوسع وسائل الاعلام ولا السياسيين دعم ملف المعتقلين، حيث لم يكن للاهالي صوت يعبّرون من خلاله عن معاناتهمquot;.

ويشير سويدان في هذا الاطار الى ان quot;لجنة دعم المعتقلين والمنفيين اللبنانيينquot; ـ سوليد، تختلف بعملها عن quot;لجنة المعتقلين اللبنانيين المحررين من السجون السوريةquot; التي يترأسها المعتقل السابق علي ابو الدهن والتي انشئت عام 2008. ويقول: quot;منظمة سوليد اصبحت تدعم قضية المفقودين خلال الحرب الاهلية، الى جانب قضية المعتقلين اللبنانين في السجون السورية، دامجةً بذلك ملفَّين مختلفيَن. الا اننا نحن نفصل في اللجنة المعتقل في سوريا عن المفقود في لبنان، لنركّز فقط على دعم المعتقلين الموجودين اليوم في سوريا. فنحن لا نريد ان نعطي حجّة لرمي الطابة في ملعبناquot;.

علاقات ضبابية المعالم
وفي موضوع العلاقات الدبلوماسية اللبنانية-السورية المستجدّة وعلاقتها بملف المفقودين، يتساءل :quot;عن اي علاقات نتكلم في ظل الملفات العالقة من عدم ترسيم الحدود بين الدولتين وعدم الافراج عن لبنانيين في سوريا منذ سنين، احياءً كانوا ام امواتاً؟ فعلى اي اساس العلاقات قائمةquot;؟ وهو يخشى ان السفارة السورية في لبنان quot;مركز مخابراتي مشرّعquot;، لافتا الى انه يجب الانتباه من quot;الشقيقquot; اكثر من quot;العدوquot;، خصوصا ان quot;سوريا لم تنفكعن اعتبار لبنان جزءاً منها. بالتالي، الخطر من العلاقات معها قائم باستمرارquot;، على حدّ قوله.

يقول سويدان انه حين خرج من السجون السورية عام 1998، كان لا يزال هناك المئات من المعتقلين اللبنانيين، لم تفرج الدولة السورية الا عن بعضهم. كما وانها لا تعترف بوجود المعتقلين السياسيين، بل المعتقلين القضائيين المتّهمين بقضايا مختلفة، وقد تكون محقة. quot;لكن المطلوب هو الاعتراف بمعتقلين سياسيين واعادتهم الى ديارهم أو تبيان مصيرهم، أي طي هذا الملف ان كانت سوريا تريد حقا علاقات مميّزة مع لبنانquot;. ويضيف: quot;اذا كانت سوريا تعتقل لبنانيين بحجة التحريض ضد النظام اللبناني أو التآمر عليه فيما مضى ، فعلى الدولة اللبنانية ان تحاكمهم لا السوريةquot;.

رسالة حياة
ولا يخفي سويدان خيبة امله من الدولة اللبنانية، التي تهمل ملف المعتقلين منذ سنين تحت حجج متنوّعة. ويقول: quot;اذا كانت دولتنا لا تحصّل حقوقنا، فماذا نتوقّع من الغريب؟quot;. غير انه يعرب عن امله في ان يصوّت مجلس النواب على منح التعوضات للمعتقلين السابقين من السجون السورية، على غرار المعتقلين سابقا في السجون الاسرائليلة. ويدعو إلىعدم الخلط بين المسائل الانسانية والمسائل السياسية، واعطاء بعد سياسي لما هو انساني، لافتاً الى ان ملف المعتقلين يمثل قضية انسانية وطنية. quot;فالمعتقلون هم من جميع الفئات وجميع الانتماءات ويتعرّضون للتّعذيب بعنف وقسوة. وعلينا كلنا كلبنانيين ان نتعاون فيما بيننا لاسترجاع اسرانا واعادتهم الى عائلاتهمquot;.

ويطالب سويدان بالقيام بفحص التورخة للجثث، وليس فحص الحمض النووي فقط. quot;الذي يسمح بمعرفة تاريخ وفاة الجثة، معطيا بدقّة الوقت والساعةquot;، ويقول متابعاً: quot;يجب ألا نستسلم ابداً. فالافراج عن المعتقلين وتبيان مصيرهم حقُّ وواجب. ولا احد يمكن ان يتصوّر نسبة العذاب التي يتعرّضون لها... وإن خرجت حيًّا من هذه السجون الوحشيّة، فذلك لّان الله وهبني روحاً ثانية لأصرخ انه ما زال هناك اناس في الداخل، وأنّ العدالة تنتظرهؤلاء الابرياء. أنا ذهبت الى الموت، وعدت برسالة الى الحياةquot;.