رغم سيطرة السلطات السورية على الإعلام، خرجت منافد إعلامية لنقل ما يحاول النظام إخفاءه عن الرأي العالم

رغم إحكام السلطات السورية قبضتها على وسائل الإعلام طيلة فترة الإنتفاضة، ظهر العديد من المنافذ الإخبارية من صحف ومجلات تنتج بمعظمهافي الخارج وتنشر على الإنترنت، لنقل الأخبار التي تخفيها حكومة الرئيس بشار الأسد، اعتبرها محللون أنها تمثّل تحولاً كبيراً في البلاد.


نجحت السلطات السورية طوال فترة الانتفاضة التي تشهدها البلاد منذ تسعة أشهر في إحكام قبضتها على وسائل الإعلام، ومارست بصورة اعتيادية أعمال رقابة واعتقال للمراسلين والمدونين والمصورين الصحافيين. لكن ورغم المخاطر، ظهر العديد من المنافذ الإخبارية التي تنقل الأخبار التي تخفيها حكومة الرئيس بشار الأسد.

وتقدم الصحف والمجلات، التي يُنتَج معظمها في الخارج وتنشر على الإنترنت، بديلاً للصحف والمحطات الإخبارية المعروفة في سوريا، حيث يلتزم الصحافيون بعدم تجاوز quot;الخطوط الحمراءquot; مثل انتقاد الرئيس. ونقلت في هذا الشأن صحيفة واشنطن بوست الأميركية عن محللين قولهم إن تلك المنافذ الإعلامية الجديدة تمثل تحولاً كبيراً في البلاد.

وأوردت عن بيتر هارلينغ، مدير مشروعات في العاصمة السورية دمشق لدى مجموعة الأزمات الدولية، قوله :quot; لقد استيقظ المجتمع السوري، الذي ظل غير مبال وسلبيا لفترات زمنية طويلة، من خلال تلك الأزمة، التي أثبتت على نحو مفاجئ أنها أزمة إبداعية، حيث أنتجت أدبها الخاص وقدمت روح دعابة قوية وأوجدت 1001 طريقة لتغطية الأحداث رغم المطاردات التي تتعرض لها وسائل الإعلامquot;.

وتابعت الصحيفة بلفتها إلى أن تلك المطبوعة الإلكترونية التي أسسها نذير جندلي قبل شهرين تحت عنوان quot;سوريا ترغب الحريةquot;، تنشر مقالات باللغة العربية عن التواجد الأمني للحكومة السورية في المدن، والأعمال التي يقوم بها مراقبو حقوق الإنسان من جامعة الدول العربية، بالإضافة إلى رسوم كاريكاتورية ساخرة ونقاشات في الأدب.

وفي تصريحات أدلى بها للصحيفة، قال جندلي، 28 عاماً، وهو مواطن سوري يعيش حالياً في المملكة العربية السعودية :quot; يوجد قراء للمطبوعة من داخل سوريا وخارجها. وقد بدأنا هذا المشروع أساساً لتأسيس الصحافة الحرة في بلدنا ولتكوين وعي في سوريا بشأن ما يحدث أثناء ثورتناquot;. وأشارت واشنطن بوست في السياق نفسه كذلك إلى أن جندلي كان شأنه شأن كثيرين ممن يعملون في تلك المطبوعات أو الإصدارات الجديدة، حيث كان ناشطاً قبل أن يبدأ العمل في مجال تحرير الأخبار.

لهجة ثورية

قبل بدء الانتفاضة الأخيرة، كان يُقدِّم بعض الصحافيين السوريين إسهامات، بصورة مجهولة، لإصدارات دولية، لكن بعد مرور أكثر من أربعة عقود من الرقابة وقمع الحياة السياسية تحت مظلة حكم الأسد ووالده، حافظ، بدأت تقل أعداد هؤلاء الصحافيين.

والآن، ومع تعدد المنافذ الإعلامية، بدأ يقوم أشخاص بإنتاج مطبوعة أخرى يطلق عليها quot;حرياتquot;، مع اكتساب الحركة الاحتجاجية زخماً، وبدأوا يرسلون بعدها الأخبار إلى أحد المحررين في الخارج. وهذا المحرر هو شخص يطلق على نفسه كريم ليلة ويقول إنه يعيش في أوروبا ويعمل أيضاً كناشط. وتنشر تلك المطبوعة تحليلا للمعارضة السياسية المضطربة والانعكاسات الشعرية على مناحي الحياة منذ بدء التظاهرات.

وأوضحت الصحيفة أن أسماء الكتاب ليست معلومة، حتى من جانب الرؤساء في بعض الأحيان، ولفتت إلى أن لهجة الكثير من تلك المطبوعات الجديدة تتسم بالحماسة الثورية أكثر من اهتمامها بالتحقيقات الصحافية النزيهة. وإلى جانب المجلات، بدأت تظهر مدونات ومواقع إلكترونية جديدة تقوم بنشر صور التظاهرات وبيانات محدثة بأعداد الضحايا. ثم نوهت الصحيفة بوجود صعوبة في التحقق من المزاعم التي تنشرها تلك المطبوعات الجديدة بخصوص طبيعة التظاهرات وإحصاءات أعداد القتلى، نظراً للقيود التي تفرضها الحكومة السورية على الصحافيين الأجانب.

وتابعت الصحيفة بنقلها عن ناشط سوري مقيم في بيروت يدعى شكيب الجبري، قوله :quot; مازال أمامنا بعض الوقت قبل أن نصل للاحترافية المطلوبة. لكن ذلك غيَّر المشهد السوريquot;.

أخطار يتعرض لها الصحافيون

وهنا، واصلت الصحيفة بنقلها عن محمد عبد الدايم، من لجنة حماية الصحافيين في نيويورك، قوله إن الصحافيين الذين يوثقون الانتفاضة الآن على رأس المطلوبين من جانب قوات الأمن. وأضاف :quot; يختطفونهم من منازلهم أو من الشارع أو من أماكن العمل ويحتجزونهم بمعزل عن العالم الخارجي. ولقد وثقنا حدوث ذلك مع 28 حالة، حيث يتم احتجازهم على مدار أيام أو أسابيع أو أشهر، دون أن يتعرضوا لسوء معاملة في كثير من الأحيان، ويُطلَق سراحهم من دون تهمة في كثير من الأحيانquot;. لكن الصحيفة لفتت من جانبها إلى أنه في الحالات الأكثر بشاعةً، يتم اختطاف الشخصيات الإعلامية ومن ثم يتم ضربهم أو قتلهم في النهاية.

توزيع سري للصحف

نظراً للصعوبة الشديدة التي يواجهها كثير من السوريين في سبيل الدخول على شبكة الإنترنت، قال محررو مطبوعتي quot;سوريا ترغب الحريةquot; و quot;حرياتquot; إن زملائهم داخل سوريا يقومون سراً بطباعة نسخ يقدر عددها ببضع مئات لمطبوعاتهم ثم يتركونها في كل مكان في المدن السورية الكبرى مثل دمشق وحلب وحمص.