نشرت صحيفة quot;نيويورك تايمزquot; الصادرة الاثنين تعليقا يتناول فرص نجاح اي عقوبات جديدة تُفرض على ايران في عالم لا يخلو من نشاطات تجارية تُمارس في السوق السوداء ودول مستعدة لخرق العقوبات. وجاء في التعليق: تعهد الرئيس باراك اوباما بمواصلة الضغط على ايران بشأن برنامجها النووي بعد اجتماع الخميس الماضي في جنيف ، وقال مستشاروه ان الولايات المتحدة تحشد الدول الأخرى للمشاركة في فرض عقوبات اقتصادية أشد ضد طهران إذا ما باءت الدبلوماسية بالفشل. ولكن مع تزايد التشديد على العقوبات تشير مراجعة خبرات الولايات المتحدة في فرض قيودها المديدة ذاتها على التجارة مع ايران ، الى ان محاصرة الاقتصاد الايراني ستكون مهمة شاقة.

إعداد عبدالإله مجيد: انبثقت شبكات تتعامل بالسوق السوداء في سائر انحاء العالم للالتفاف على العقوبات. ومن الخطط المعهودة في اجهاض المقاطعة الاقتصادية ما تبدت تفاصيله في صفقة مقايضة قُدمت الى محكمة فيدرالية في واشنطن قبل يوم على اعلان اوباما وحلفائه الاوروبيين عن وجود منشأة نووية ايرانية لتخصيب اليورانيوم قرب قم لم يُكشف عنها من قبل.

تبين ملفات المحكمة ان شركة هولندية للخدمات الجوية ومالكها اعترفا بتوريد مكونات طائرات والكترونيات الى ايران بصورة غير قانونية خلال الفترة الممتدة من 2005 الى 2007. وكان زبائن ايرانيون يقدمون في الخفاء طلبيات الى الشركة التي كانت واجهة تشتري القطع المطلوبة وتدبر أمر شحنها الى هولندا وقبرص والامارات العربية. ثم تعاد تعبئة المواد بهدوء وتُشحن الى المشترين الحقيقيين في ايران.

ضُبطت الشركة الهولندية في النهاية ولكن السهولة التي عملت بها حتى وقت ضبطها تبين وجود عقبة اساسية تواجه الولايات المتحدة هي: حتى إذا أمكن تذليل التحديات الدبلوماسية لاقناع بلدان لديها علاقات اقتصادية واسعة مع ايران مثل الصين بالموافقة على العقوبات ، يكاد يكون من المتعذر جعل المقاطعة محكمة مئة بالمئة.

وقال مايكل جاكوبسن الخبير المتخصص بالاستخبارات والعقوبات في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى quot;ان لدى الايرانيين خبرة واسعة في التملص من العقوبات. فهم قادرون على التكيف ويتعلمون من الأخطاء ويرون اين تضرب الولايات المتحدة فينتقلون الى مكان آخر. ومن جانب الشركات هناك الكثير من العمى المقصودquot;.

اعترفت وزيرة الخارجية هيلاري كلنتون الاسبوع الماضي بأن العقوبات الاقتصادية السارية حاليا ضد ايران quot;منخوبةquot; ، ولكن العديد من كبار مسؤولي الادارة قالوا ان ما كُشف مؤخرا عن جهود ايران النووية السرية أوجد تضامنا لا سابق له وراء اتخاذ اجراءات جديدة للضغط على طهران.

أثار اجتماع الخميس الماضي في جنيف مزيدا من الاهتمام بين الدبلوماسيين بدور العقوبات الجديدة التي يمكن ان تُفرض. ولإلزام ايران بتعهداتها ومنعها من المماطلة بشأن الاعتراضات الأكبر على برنامجها النووي قال مسؤولون ان من الضروري ان تشعر ايران بوجود خطر ذي مصداقية يهددها بإجراءات عقابية.

وقال مسؤول كبير في الادارة طلب عم ذكر اسمه ان احتمالات النجاح على مسار التواصل ستكون قليلة من دون قدرة على التحرك على مسار الضغط. واضاف ان quot;المسألة الأساسية ان يرى الايرانيون الوجهين معاquot;.

وقال المسؤول ان الولايات المتحدة ترفض استبعاد اي اجراءات ، بما في ذلك حظر تصدير البنزين وغيره من المحروقات المكررة. ويخشى الاوروبين ان مثل هذه الاجراءات ستجلب معاناة لمواطني الشعب الايراني بإحداث ازمات تثير غضبهم على الغرب وتدفعهم الى احضان حكومة لا تتمتع بشعبية.

قال مسؤولون ان الادارة تتحادث منذ اشهر مع بلدان أخرى حول قائمة من العقوبات المحتملة ضد ايران. وينظر الكونغرس في اصدار تشريع لتوسيع العقوبات المالية فيما يعمل رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب هوارد بيرمان عضو المجلس عن الديمقراطي من كاليفورنيا ، على تمرير مشروع قانون يفرض عقوبات على الشركات الأجنبية التي تصدر البنزين الى ايران.

كان للعقوبات السارية بعض الآثار العملية. ففي طهران ينقطع التيار الكهربائي بانتظام بسبب نقص المولدات ، فهي مدرجة على قائمة البضائع المحظورة لاستعمالاتها العسكرية المحتملة. ولم يكن هذا الانقطاع يحدث حتى عشر سنوات خلت.

مع ذلك تبين خبرة الولايات المتحدة في مراقبة عقوباتها الاقتصادية الاحادية ذاتها ـ التي فُرضت بعد ازمة الرهائن عام 1979 وجرى توسيعها عدة مرات منذ ذلك الوقت ـ ان هذه القيود من المرجح ان ترفع اسعار السلع الأجنبية المحظورة بدلا من وقف تدفقها تماما الى ايران. فالعالم مليء بالدول المارقة والمهربين الحاذقين في اخفاء بضائع ممنوعة في غمرة التيار المتدفق للتجارة العالمية ، وان دولا اخرى قد لا تكون مستعدة كما الولايات المتحدة لمراقبة العقوبات مراقبة صارمة.

كانت الصفقة التي عقدتها شركة الالكترونيات الجوية الهولندية مع القضاء مقابل الاعتراف بذنبها مجرد حلقة في سلسلة من قرارات الادانة الصادرة بحق مئات الشركات المتهمة كهذه منذ عام 2007 عندما كثفت ادارة بوش بدرجة كبيرة الجهود الرامية الى تنفيذ القيود التجارية التي فرضتها الولايات المتحدة نفسها على بلد مثل ايران.

في حالات مماثلة خلال الأشهر القليلة الماضية وحدها اتهم مدعون شركات بنقل قطع طائرات حربية الى ايران بصورة غير قانونية عن طريق كولومبيا ومكونات الكترونية عن طريق ماليزيا وقطع غيار مروحيات عن طريق سنغافورة. وتطول القائمة بوجود مقرات الوسطاء المتهمين في اماكن بينها ايرلندا وهونغ كونغ.

العقوبات المالية ايضا تعرضت الى الخرق. ففي كانون الثاني/يناير وافق مصرف لويدز في لندن على دفع غرامات قدرها 350 مليون دولار لتستره على ضلوع جهات في بلدان بينها ايران بشأن تحويلات مالية مع مصارف اميركية خلال فترة تمتد 12 عاما. وفي عام 2006 فرضت اجهزة الرقابة غرامة على مصرف اي بي ان امرو الهولندي بسبب معاملات مماثلة تشكل خرقا للعقوبات في الفترة الممتدة من 1997 الى 2004.

يقول مسؤولون في الادارة ان مثل هذا الحزم في تطبيق العقوبات أقنع مصارف اوروبية كبيرة اخرى بأن التعامل مع ايران لا يستحق المجازفة. ولكن ايران ، بدلا من قطع خطوط الاعتماد والتأمين عليها ، لجأت الى مؤسسات مالية أصغر تعمل في آسيا ولا تتعامل مع الولايات المتحدة.
قال جاكوبسن الخبير المختص بالعقوبات ، ان هذا النوع من البدائل يبين انه حتى العقوبات الشديدة التي تُفرض بدعم دولي واسع ، من المستبعد ان تفرض عزلة تامة على بلد شاسع ومعقد مثل ايران. غير انه تابع ان للعقوبات فائدة متواضعة نسبيا لكنها فائدة حقيقية رغم ذلك. فهي تزيد الكلفة وتجعل من الأصعب على النخب الايرانية ان تمارس النشاط التجاري فتقدم حافزا الى قادة البلد للتفاوض.

قال جاكوبسن ان من غير الواقعي الرهان على عزل ايران عن الاقتصاد العالمي ولكن الهدف الأضيق والأكثر واقعية برفع تكاليف نشاطهم التجاري قد يغير حسابات القادة الايرانيين.