تنشر اليوم مجلة quot;وورلد بوليتكس ريفيوquot; الأميركية تقريراً مطولاً لإليزابيث اسكندر، المحللة السياسية المتخصصة في الشؤون الشرق أوسطية والباحثة في جامعة quot;كامبريدجquot; في لندن، تؤكد فيه أن الغرب فشل مراراً وتكراراً في فهم نوايا واستراتيجيات الحكومة الإيرانية، وهو ما سمح لطهران بكسب الوقت بشأن برنامجها الخاص بتخصيب اليورانيوم والاستمرار في تشييد مفاعل المياه الثقيلة في آراك.

ترى الباحثة إليزابيث اسكندرأن الجهود الدبلوماسية لاحتواء البرنامج النووي الإيراني يجب أن يتزعمها quot; ائتلاف دولي حقيقي quot; وليس مجرد تحالف أميركي أو غربي. وشددت على ضرورة أن يتم التركيز على تبديل بنود المناظرة التي تسمح حاليا ً لإيران بالاستفادة فعلياً من الضغوط الخارجية ، باستغلالها في ترسيخ وتبرير موقفها المتحدي. ورأت أنه وفي سبيل تحقيق ذلك، ينبغي أن يكون للعالم العربي دور فاعل في التوصل إلى حل.

بداية ً، تلفت الباحثة إلى أن محصلة المحادثات التي تمت مناقشتها بشأن الأزمة النووية الإيرانية في الأول من أكتوبر / تشرين الأول الجاري بين ممثلين عن مجموعة 5+1 وآخرين إيرانيين بدت أكثر إيجابية عما كان متوقعا ً، لكن المواقف الأساسية لجميع الأطراف لم تشهد تغييرا ً على أرض الواقع. كما أكدت إليزابيث أن تركيز الغرب على موضوع تخصيب اليورانيوم تسبب في طمس السبل التي ارتبط فيها هذا المأزق بديناميات إقليمية أوسع في النطاق قام النظام الإيراني باستغلالها لتدعيم موقفه. وفي الوقت الذي سبق للرئيس الأميركي باراك أوباما أن هدد إيران بـ quot;مزيد من الضغوطات والعزلةquot;، إذا ما فشلت المحادثات، لم تخش الحكومة الإيرانية الحالية من مثل هذا التهديد، على عكس ما كان يراود الشعب الإيراني من شعور.

وترى الكاتبة أن منح العرب فرصة لحل الإشكالية النووية الإيرانية لن تفيد من الناحية العملية فقط في جلب الخبرة الفنية والخبرة الإقليمية إلى مائدة المفاوضات، وإنما ستحظى أيضا ً بأهمية رمزية. كما أنها ستعمل على تقويض خطاب الحكومة الإيرانية التي تعتبر نفسها جبهة دفاع عن الإسلام ضد العدوان الغربي. وتمضي الباحثة لتتحدث عن جدوى المشاركة العربية من منظور الفوائد الإستراتيجية التي ستعود عليها من وراء منع إيران من لعب هذا الدور ومنعها كذلك من المضي قدما ً بخططها النووية، في ظل ما يراودها من مخاوف تجاه هذا الملف، وذلك لثلاثة أسباب رئيسة لخصتها كما يلي:

أولها، من منطلق رغبة العالم العربي في احتواء النفوذ الإقليمي لإيران، والعمل في الوقت ذاته أيضا ً على تقويض الغطرسة الإيرانية. فترى الباحثة أن إيران بذلت مجهودات كبيرة لاستغلال الصدع القائم في العلاقات العربية من أجل زيادة نفوذها الإقليمي. وأن ذلك بدا واضحاً في الدعم الذي تقدمه طهران لحماس وحزب الله. كما تواصل استغلالها للتوترات الطائفية في العراق، من خلال دعمها للفصائل والميليشيات المسلحة الموالية لإيران ومحاولتها في الوقت ذاته تدعيم القادة السياسيين العراقيين وبناء علاقات اقتصادية من أجل تحقيق الرغبة الحسنة، ويتردد أن إيران تسعى إلى تطبيق الإستراتيجية نفسها الآن في أفغانستان. وتؤكد الباحثة أيضا ً ضعف العلاقات بين الرياض والدوحة منح إيران فرصة البزوغ على الساحة الخليجية.

أما السبب الثاني فيكمن في تلك الرغبة الحقيقية والراسخة التي تحاول من خلالها الدول العربية منع خطر الانتشار النووي في المنطقة. وتنوه هنا الكاتبة بذلك التصريح الذي سارع وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط إلى إطلاقه فور الكشف عن مفاعل إيران النووي السري في مدينة quot;قمquot; قبل بضعة أيام، والذي أثار فيه مخاوفه بشأن نوايا إيران واحتمال نشوب سباق للتسلح النووي في منطقة الشرق الأوسط.

في حين أرجعت الباحثة السبب الثالث إلى تلك العواقب الوخيمة التي قد تعود على العالم العربي جراء تنفيذ عملية عسكرية على إيران، حيث ترى أن الثمن قد يكون باهظا ً للغاية. وتقول إنه في حالة وقوع مثل هذا الهجوم، فإن الدول العربية في منطقة الشرق الأوسط سوف تشعر بتأثيره من خلال التعبئة التي ستقوم بها إيران بعد ذلك لعملائها في الدول العربية. في الوقت الذي تؤكد فيه الباحثة أن مصر هي أكثر الدول التي تخشى وقوع تلك الاحتمالية نتيجة لاكتشاف خلايا تابعة لحزب الله على أراضيها في أبريل / نيسان الماضي. كما سيكون لأي هجوم انتقامي ينفذه حزب الله أو حركة حماس على إسرائيل آثاره غير المباشرة على الدول المجاورة لإسرائيل والمنطقة بشكل عام.

وتشير الباحثة أيضا ً إلى أن الدول العربية في منطقة الخليج ستتعرض لخطر شديد إذا ما تعرضت إيران لهجوم، نظرا ً إلى قربهم الجغرافي وفي ظل وجود قواعد أميركية على أراضيها، ما يزيد من احتمالات تحولهم لأهداف بالنسبة إلى الجيش الإيراني. وتحذر الباحثة في السياق ذاته من أن تداعيات شن هجوم على إيران سوف تعمل بالتأكيد على زعزعة استقرار المنطقة، وبخاصة في ضوء المناخ السياسي الحساس بعدد كبير من الدول العربية، بما فيها مصر، العراق، ولبنان. وفي الختام، أكدت إليزابيث أن العالم العربي يحتاج إلى مزيد من المشاركة بنشاط في الجهود الدولية الرامية لاحتواء تلك الأزمة وأن يكون جزءا ً من قراراتها. وتضرب الباحثة هنا المثال بأن تعيين مبعوث عربي قد ينضم إلى مجرى المفاوضات مع مجموعة 5+1 سيمكن من صياغة المحادثات أو العقوبات في صورة تظهر أن quot; المجتمع الدولي يعارض الانتشار النوويquot; في مقابل quot; تصدي الغرب لإيرانquot;. وترى الباحثة أيضاً أن حدوث تحول في نهج إيران تجاه الأزمة النووية يؤكد أن المشاركة العربية قد تحد من قدرة طهران الخاصة باللعب على التصورات، وإجبارها على أن تكون أكثر مرونة بشأن السياسة الخارجية، وذلك لمنع مزيد من الانشقاق في الصف الداخلي.